حكم صيام النصف من شعبان

تعددت آراء أهل العلم في حكم صيام النصف من شعبان وما بعده، فذهب الجمهور إلى القول بالجواز، بينما خالفهم بعض الفقهاء، فمنهم من قال بالكراهة، ومنهم من قال بالتحريم؛ وفيما يأتي بيان ذلك:


رأي الجمهور

ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز صيام النصف من شعبان وما بعده لمن اعتاد صيام التطوع قبل ذلك، أو كان عليه صيام مفروض، أو كان ممن لا يخشَ الضعف والوهن قبل صيام رمضان، فيمتدّ عليه الشهرويطول، ويزداد عليه أيام الصيام.[١]


وقد استدلوا على هذا بالأحاديث الصحيحة التي تُؤيد جواز الصيام بعد انتصاف شهر شعبان، ولعدم ثبوت أحاديث النهي الواردة في هذه المسألة، ونذكر من هذه الأحاديث الصحيحة الدالة على جواز الصيام ما يأتي:[١]

  • ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لَا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بصَوْمِ يَومٍ أوْ يَومَيْنِ، إلَّا أنْ يَكونَ رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذلكَ اليَومَ).[٢]
  • ما ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ... وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعْبَانَ).[٣]
  • ما جاء في الحديث عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما رأيتُ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يصومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إلا شعبانَ ورمضانَ).[٤]
  • ما ثبت عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله، أو سأل رجلاً آخر عمران -رضي الله عنه- يسمع: (أَصُمْتَ مِن سُرَرِ شَعْبَانَ؟ قالَ: لَا، قالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَومَيْنِ)؛[٥] وفسّر بعض أهل العلم معنى سرر شعبان أيّ منتصفه،[٦] فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الرجل أن يقضي ما اعتاد عليه من صيام بعد الفطر من شهر رمضان.


رأي الشافعيّة والحنابلة

حرّم الشافعيّة صيام النصف من شعبان، وكره الحنابلة ذلك؛ لأنّ هذا الصيام قد يُضعف الصائم عن صيام شهر رمضان، واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام النصف من شعبان، فقال -عليه السلام-: (إذا انْتَصَفَ شَعْبانُ فلا تَصوموا).[٧][٨]


وهذا الحديث قد ضعفه العديد من أهل العلم والاختصاص، ومنهم من أنكره،[١] إلا أنّ بعض أهل العلم -كالطحّاويّ- جمعوا بين هذا الحديث الذي ينهى عن صيام النصف من شعبان، وبين الأحاديث السابقة التي تحثّ على الصيام؛ فقالوا أنّ النهيّ يتعلق بمن يُضعفه الصوم، والحثّ يتعلق بمن يحتاط لصيام رمضان فلا يُضعفه الصيام من شهر شعبان، وقد حسّن الإمام ابن حجر -رضي الله عنه- هذا الجمع.[٨]


صيام يوم الشكّ من شهر شعبان

يُقصد بيوم الشكّ اليوم الثلاثين من شهر شعبان، إذا تردد الناس في احتسابه من شهر رمضان أم لا، ولقد تعددت آراء الفقهاء في حكمه، إلا أنّهم اتفقوا على عدم كراهته وإباحة صومه إن صادف صياماً معتاداً يصومه المسلم؛ كصيام يومي الاثنين والخميس، وأمّا إذا لم يُصادف صياماً اعتاد المسلم على أدائه فقد تعددت الآراء على النحو الآتي:[٩]

  • ذهب الحنفيّة إلى أنّ صيام يوم الشكّ مكروه كراهة تحريميّة إذا نوى أنّه من رمضان، أو من صيام واجبٍ آخر، واستدلوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بصَوْمِ يَومٍ أوْ يَومَيْنِ، إلَّا أنْ يَكونَ رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذلكَ اليَومَ).[٢]
  • ذهب المالكيّة والحنابلة إلى كراهة صيام يوم الشكّ للاحتياط أنّه قد يكون من شهر رمضان، ولا يُكره ها الصيام لمن اعتاد السرد أو التتابع في صيام التطوع، أو كان صيامه قضاءً لرمضان سابق، أو صيام كفارة يمين أو نحوها من أنواع الصيام الواجب.
  • ذهب الشافعيّة إلى تحريم صيام يوم الشكّ إذا كان تطوعاً؛ لما صحّ عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- أنّه قال: (... من صامَ هذا اليومَ فقد عَصى أبا القاسِمِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ)،[١٠] أمّا صيام يوم الشكّ عن القضاء والنذر والكفارة فجائز عندهم.

المراجع

  1. ^ أ ب ت كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 136، جزء 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1914، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1969 ، صحيح.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أم المؤمنين أم سلمة، الصفحة أو الرقم:736، قال الترمذي حسن وقال الألباني صحيح.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمران بن حصين، الصفحة أو الرقم:1161، صحيح متفق عليه.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 291-292، جزء 24. بتصرّف.
  7. رواه أبي داود، في سنن أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2337، قال الإمام أحمد حديث منكر.
  8. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 292، جزء 24. بتصرّف.
  9. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 1631-1634، جزء 3. بتصرّف.
  10. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم:2334، صححه ابن الملقن.