فضل صلاة التسابيح
فضل صلاة التسابيح ليس محلّ إجماع عند أهل الفقه، وذلك نتيجة لتعدّد آرائهم في صحة الحديث الذي تضمّن بيان فضل صلاة التّسابيح، ففي الحديث عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ للعَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ:
(يا عَبَّاسُ، يا عَمَّاهُ، ألَا أُعطيكَ، ألا أَجزيكَ، ألَا أفعَلُ لكَ عَشْرَ خِصالٍ، إذا أنت فَعَلتَ ذلكَ غَفَر اللهُ لكَ ذَنبَكَ أوَّلَه وآخِرَه، قَديمَه وحَديثَه، خَطَأَه وعَمْدَه، صَغيرَه وكَبيرَه، سِرَّه وعَلانِيَتَه: أن تُصَلِّيَ أربَعَ رَكَعاتٍ، تَقرَأُ في كلِّ رَكعةٍ بفاتِحةِ الكِتابِ وسُورةٍ ...).[١]
وبعد أنْ فصّل له كيفية صلاة التسابيح؛ قال: (إنِ استَطَعْتَ أن تُصَلِّيَها في كلِّ يَومٍ فافعَلْ، فإنْ لم تَفعَلْ، ففي كلِّ جُمُعةٍ مرَّةً، فإنْ لم تَفعَلْ، ففي كلِّ شَهرٍ مَرَّةً، فإن لم تَفعَلْ، ففي كلِّ سَنةٍ مَرَّةً، فإنْ لم تَفعَلْ ففي عُمُرِكَ مَرَّةَ).[١]
ومدار فضل صلاة التّسابيح كما وردت في الرّواية يقوم على مغفرة الذّنوب والتّجاوز عن الخطايا والآثام قديمها وحديثها، وصغيرها وكبيرها، وهذا غاية مُنى المسلم وأعظم ما يرجوه من ربّه -جلّ وعلا-.
ويلحظ المستقرئ للرّواية تعلّق المغفرة بأمرين:
- الصلاة
لا يخفى أنّ الصلاة سبب من أهمّ أسباب المغفرة، وقد تواترت الأدلة في ذلك، وهي أكثر من أن تُحصى، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ).[٢]
ومناسبة نزول الآية تؤكّد هذا المعنى؛ ففي الصحيح: (أنَّ رَجُلًا أصابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَهُ فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) فقالَ الرَّجُلُ: يا رَسولَ اللَّهِ ألِي هذا؟ قالَ: لِجَمِيعِ أُمَّتي كُلِّهِمْ).[٣]
- الذّكر والتّسبيح
دوام ذكر الله -عزّ وجلّ- والتّسبيح مظهر من مظاهر تعظيم الله -سبحانه-، ويجازي به العبد بفضله وكرمه أجراً عظيماً، ومن ذلك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قال: (خُذوا جُنَّتَكُم. قُلنا: يا رسولَ اللهِ: مِن عدُوٍّ قد حَضَرَ؟ قالَ: لا، بل جُنَّتَكُم مِنَ النَّارِ، قولوا: سُبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أَكبرُ؛ فإنَّها تَأْتينَ يومَ القيامةِ مُنجياتٍ وُمقدَّماتٍ، وهُنَّ الباقياتُ الصَّالحاتُ).[٤]
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ).[٥]
صحة حديث صلاة التّسابيح
حديث صلاة التسبيح أخرجه جمع من أصحاب الحديث في مصنّفاتهم، منهم أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه والطبراني، وقد رُوي هذا الحديث من طرق كثيرة ومتعدّدة.[٦]
وبحسب المحقّقين من أهل الحديث، فإنّ الحديث يرقى إلى درجة الصحيح لغيره، وقد صحَّحه الألبانيّ بعد تتبّع مجموع طُرقه، كما ذهب إلى صحّته أو تحسينه جمع من أهل العلم؛ كالآجري، وابن منده، وأبي بكر السمعاني، والمنذري، وابن الصلاح، والنّووي، والسّبكي، وغيرهم.[٧]
وممّا نقله المصنّفون من أهل العلم في استحباب صلاة التّسابيح والحثّ عليها قول عبد الله بن المبارك: "اعلم أن صلاة التسبيح مرغب فيها، يستحب أن يعتادها في كل حين، ولا يتغافل عنها".[٨]
ورغم ذلك، فإنّ طائفة من أهل العلم لم يثبت عندها صحة الحديث، وحكموا عليه بالضّعف والنّكارة،[٩] وبناء على ذلك تعدّدت الآراء في مشروعية صلاة التّسابيح وفضلها، وانتقلتْ الآراء بين الاستحباب والجواز وعدم الجواز على تفصيل بين المذاهب الفقهية المعتبرة.[١٠]
المراجع
- ^ أ ب رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1209 ، سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما.
- ↑ سورة هود، آية:114
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:526 ، صحيح.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2011 ، صحيح على شرط مسلم.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2695 ، صحيح.
- ↑ سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة 3)، بيروت:دار الكتاب العربي، صفحة 212، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مهران عثمان، "صلاة التسابيح"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 25/6/2023. بتصرّف.
- ↑ النووي (2004)، الأذكار (الطبعة 1)، صفحة 323.
- ↑ "صلاة التسابيح لا يصح فيها حديث"، الإسلام سؤال وجواب، 29/1/2010، اطّلع عليه بتاريخ 25/6/2023. بتصرّف.
- ↑ كمال ابن السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة:المكتبة التوفيقية، صفحة 428-429، جزء 1. بتصرّف.