مبطلات التيمم

يُقصد بمبطلات التيمم: الأمور التي تُفسد التيمم أو الأمور التي يسقط بسببها حكم وأثر التيمم، ولقد أجمع أهل العلم على أنّ كل ما يبطل به الوضوء يبطل به التيمم، مستدلين بما صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ الصعيدَ الطيبَ طهورُ المسلمِ، وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنين...).[١][٢]


وفي رواية أخرى: (إنَّ الصعيدَ الطيِّبَ وَضوءُ المُسلِمِ...)،[٣]وهذه الأحاديث تدلّ على التيمم بالتراب بديلاً للوضوء أو الغسل بالماء في تحقيق الطهارة، فكل ما يبطل به الأصل بطل به البدل، ولم يُخالف أحدٌ من العلماء هذا الأمر.[٢]


وقد زاد أهل العلم على مبطلات التيمم عدداً من المبطلات التي اختصّ بها دون الوضوء، وهي:


خروج وقت الصلاة

إذا خرج وقت الصلاة التي تيمم لها المسلم فإنّ تيممه يبطل؛ مثلاً إذا تيمم لصلاة الظهر ثم خرج وقتها وحانت صلاة العصر بطل التيمم الأول، ولزم إعادة التيمم لصلاة العصر؛ بدليل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ...)،[٤] وهذه الآية الكريمة شرعت للمسلمين في البداية وجوب الوضوء لكل صلاة، ثم نُسخ ذلك فبقي التيمم على حكم الأصل؛ بوجوب التيمم لكل صلاة، وبهذا أفتى جمع من الصحابة الكرام.[٥]


حضور الماء أو القدرة على استعماله

من المعلوم أنّ الله -تعالى- شرع التيمم في أحوال خاصة به؛ مثل فقدان الماء أو عدم القدرة على استعماله مع توفره ووجوده، فإذا زالت هذه الأعذار هذا الحكم بزوالها، فإذا حضر الماء بطل التيمم ووجب الوضوء والاغتسال بالماء؛ ودليل ذلك قوله -تعالى- في تعليق التيمم على علّة فقدان الماء: (... وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا...).[٤][٥]


أمّا من السنة النبويّة، فقد ثبت عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صّلى الفجر بالناس ذات يوم، ولمّا فرغ من ذلك وجد رجلاً لم يُصلِ معهم؛ فسأله النبي -عليه السلام-: (... ما مَنَعَكَ يا فُلَانُ أنْ تُصَلِّيَ مع القَوْمِ؟ قالَ: أصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ولَا مَاءَ، قالَ: عَلَيْكَ بالصَّعِيدِ، فإنَّه يَكْفِيكَ...)، ولمّا استسقى النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزل المطر بعث له بالماء، يقول عمران -رضي الله عنه-: (... واسْتَقَى مَن شَاءَ وكانَ آخِرُ ذَاكَ أنْ أعْطَى الذي أصَابَتْهُ الجَنَابَةُ إنَاءً مِن مَاءٍ، قالَ: اذْهَبْ فأفْرِغْهُ عَلَيْكَ...).[٦][٥]


الردة عن الإسلام

يُقصد بالرّدة عن الإسلام قطع الإسلام بنيّة أو قول أو فعلٍ مكفّر؛ فإذا تيمم الإنسان ثم ارتدّ بعد ذلك فإنّ تيممه يبطل؛ وهذا رأي بعض الحنفيّة، ومذهب المالكيّة، والأصح عند الشافعية، ومذهب الحنابلة، وقد استدلوا بقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)،[٧] ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أنّ الكفر يُحبط العمل، والطهارة بالتيمم عمل فتُحبط وتبطل بالكفر والرّدة.[٨]


مسألة وجود الماء أثناء الصلاة وبطلان التيمم

بحث أهل العلم في مسألة وجود الماء أثناء الصلاة، لمن تطهّر بالتيمم قبل الدخول فيها، ولقد تعددت آراؤهم في حكم إتمام الصلاة، وفي حكم الخروج منها للوضوء بالماء؛ وفيما يأتي بيان هذه الآراء:[٩]

  • تبطل صلاة من كان متيمماً ثم وُجِد الماء أثناء الصلاة؛ وهو مذهب الحنفيّة والمشهور في مذهب الحنابلة، ومذهب ابن حزم.
  • لا تبطل الصلاة ويجب إتمامها؛ وهو المشهور في مذهب المالكيّة، ورواية عند الإمام أحمد، وقيل إنّه رجع عنها.
  • يُتم الصلاة إن كان تيممه يغنيه عن إعادة الصلاة -كمن كان تيممه في السفر الطويل-، وتبطل صلاته في حال وجب عليه إعادة الصلاة -كمن كان تيممه في الحضر-؛ وهو مذهب الشافعيّة.
  • يتطهر ثم يبني على صلاته؛ وهو أحد أقوال الحنابلة.


وقد استدلّ كل رأي بمجموعة من الأدلة الشرعيّة التي يمكن مراجعتها، والاطلاع عليها في كتاب: "موسوعة أحكام الطهارة".[١٠]

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:124، حسن صحيح.
  2. ^ أ ب رائد بن حمدان الحازمي، أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة، صفحة 637-639. بتصرّف.
  3. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:21568، صححه جماعة من أهل العلم وله شاهد صحيح.
  4. ^ أ ب سورة المائدة، آية:6
  5. ^ أ ب ت محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 11-13، جزء 20. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمران بن حصين، الصفحة أو الرقم:344 ، صحيح.
  7. سورة الزمر، آية:65
  8. رائد بن حمدان الحازمي، أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة، صفحة 657-658. بتصرّف.
  9. دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 355-356، جزء 5. بتصرّف.
  10. دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 357-362، جزء 5.