حكم الإفطار في صيام القضاء

بحث أهل العلم مسألة الإفطار في صيام القضاء؛ سواء أفطر الصائم بعذر أو بدون عذر، وقد أجمع جمهور أهل العلم في المذاهب الأربعة على أنّه لا يجوز للمسلم أنْ يُفطر من غير عذر بعد شروعه بصيام القضاء الواجب.[١]


وفي هذا يقول ابن قدامة -رحمه الله-: "ومن دَخَلَ في واجِبٍ، كقَضاءِ رمضانَ، أو نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أو مُطْلَقٍ، أو صِيامِ كَفَّارَةٍ، لم يَجُزْ له الخُرُوجُ منه؛ لأنَّ المُتَعَيِّنَ وَجَبَ عليه الدُّخُولُ فيه، وغيرَ المُتَعَيِّنِ تَعَيَّنَ بِدُخُولِه فيه، فصارَ بِمَنْزِلَةِ الفَرْضِ المُتَعَيِّنِ، وليس في هذا خِلافٌ بِحَمْدِ اللهِ".[٢]


ويُفهم من كلامه -رحمه الله- أنّ الصائم قضاءً اختار هذا اليوم لقضاء صيام واجبٍ فاته؛ فتعيّن وجوب إتمام الصيام؛ لأنّ هذا اليوم أصبح بحقّه كأنّه يوم من أيام رمضان لا يجوز له قطع الصيام فيه بلا عذر شرعي.


أدلة عدم جواز الإفطار في صيام القضاء بغير عذر

استند أهل العلم في عدم جواز إفطار الصائم قضاءً الإفطار بغير عذر لعدّة أدلة، وأبرزها ما يأتي:[٣]

  • قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)،[٤] ووجه الدّلالة عموم المراد بالأمر الإلهي: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).


  • جاء في الحديث (لمَّا كانَ يومُ الفتحِ فتحُ مكةَ جاءتْ فاطمةُ فجلستْ عن يسارِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- وأمُّ هانئٍ عنْ يمينِه، قالتْ: فجاءتْ الوليدةُ بإناءِ فيهِ شرابٌ، فناولتُهُ فشربَ منه، ثمَّ ناولَه أمَّ هانئٍ، فشربتْ منهُ فقالتْ يا رسولَ اللهِ، لقدْ أفطرتُ وكنتُ صائمةً، فقال لها أكنتِ تقضينَ شيئًا، قالتْ: لا، قالَ: فلا يضرُّكِ إنْ كانَ تطوعًا).[٥]


ووجه الدّلالة في قوله -صلى الله الله عليه وسلّم- لأم هانئ: (لا يضرُّكِ إنْ كانَ تطوعًا) يعني بمفهوم المخالفة أنّه يضرّها الإفطار لو كان صومها قضاءً، والضّرر هنا يعني الإثم، والإثم يكون ممّا لا يجوز فعله.


  • تقرّر عند أهل العلم أنّ العبادة الواجبة التي يشرع المسلم بها يلزمه إتمامها، وصيام القضاء أصبح واجباً بحقّه؛ فيلزمه إتمامه، ما لم يكن قطعه لعذر شرعي.


  • الإفطار بلا عذر في قضاء الصيام الواجب تلاعب بالعبادة وتساهل بأدائها، وهذا لا يليق بالمسلم، ولا ينبغي له فعله.


هل يترتّب على من أفطر صيام القضاء كفارة؟

بناء على ما سبق؛ فإنّ من أفطر بلا عذر في قضاء الواجب يلزمه التّوبة والاستغفار استناداً إلى دلالات الشواهد السّابقة، ويلزمه إعادة صيام اليوم الذي أفطره، ولا كفّارة عليه، وأمّا من أفطر لعذر شرعي؛ كالمرض المبيح للفطر أو المرأة التي داهمها الحيض، ونحو ذلك فلا إثم عليه، ويقضي يوماً مكان الذي أفطره بعد زوال العذر.[٦]


وذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ منْ جامع زوجته أثناء صيامه في غير شهر رمضان؛ كصيام القضاء أو صيام نذر أو غير ذلك؛ فلا تلزمه كفارة الجماع، وخالف في ذلك بعض أهل العلم؛ فقال قتادة: تجب الكفارة في إفساد قضاء رمضان.[٧]

المراجع

  1. فريق الموقع، "حكمُ إتمامِ مَن شرع في الصَّومِ الواجِبِ"، الدرر السنية الموسوعة الفقهية، اطّلع عليه بتاريخ 24/6/2023. بتصرّف.
  2. ابن قدامة (1997)، المغني (الطبعة 3)، الرياض:دار عالم الكتب للطباعة والنشر، صفحة 412، جزء 4.
  3. "الإفطار من غير عذر في صيام القضاء"، طريق الإسلام، 15/8/2012، اطّلع عليه بتاريخ 24/6/2023. بتصرّف.
  4. سورة محمد، آية:33
  5. رواه أبو داود، في سنن أبي داوود، عن فاختة بنت أبي طالب أم هانئ، الصفحة أو الرقم:2456 ، صحيح.
  6. سعيد القحطاني (2010)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة 2)، القصب:مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 312. بتصرّف.
  7. النووي، المجموع شرح المهذب، القاهرة:إدارة الطباعة المنيرية، صفحة 345، جزء 6. بتصرّف.