توجيه بخصوص أثر الأغاني على الصيام

السؤال عن أثر الأغاني على صحة الصّيام يؤشّر على حرص المسلم على سلامة طاعته ورجاء قبولها عند الله -عزّ وجلّ-، ومن هنا يحسُن التّنبيه إلى أنّ المسلم في مواسم الطاعات، مثل شهر رمضان يحرص على الوصول إلى كمالات الطاعة، ويجتهد في أنْ لا يؤثّر عليها ما يُبطلها أو يُنقِص أجرها، إذ لا يليق بالمسلم أنْ يقف عند حدود الإجزاء في أداء الطاعات.


والغناء بشكله الشّائع بين النّاس في هذا الزمان هو غناء غير منضبط بما يجعله مباحاً؛ لذا يحكم عليه أهل العلم بالتّحريم أداءً وسماعاً؛ نظراً لما يتضمنه من مخالفات شرعية عديدة، وقد تناول العلماء أثر المعاصي على صحّة الصيام، وتعدّدت آراؤهم تبعاً لفهمهم للنّصوص الشّرعية التي تناولت أحكام الصيام ومقاصد تشريعه، وسيأتي المقال على تفصيل المسألة.


هل الأغاني تبطل الصيام؟

الأغاني بشكلها الشّائع بين النّاس تقع ضمن المعاصي سواء في الصيام أو غيره -كما تمّ الإشارة سابقاً-، ومن هنا برز لأهل العلم رأيان في أثر ارتكاب المعصية على صحة الصيام.


القائلون بنقصان الأجر وصحة الصيام

اتّفق جماهير أهل العلم على أنْ الصائم مأمورٌ شرعاً أنْ يصون صيامه عن ارتكاب المعاصي والآثام؛ كالفحش وقول الزّور والكذب وغيرها، وأجمع أئمة المذاهب الفقهية الأربعة إلى أنّ مرتكب المعصية لا يفسد صومه بارتكابه لها، واستندوا في ذلك لأدلة عدّة، منها ما يأتي:[١]

  • ظاهر الآية: (... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ...)[٢] يقضي بفساد صيام من أكل أو شرب أو جامع، وما عدا ذلك لا يفسد الصيام به إلا ما ثبت به الدليل.
  • قالوا: ارتكاب المحرّم يفسد العبادة إذا كان محرّماً في ذات العبادة، كالأكل والشّرب في الصيام، أما إنْ جاء التّحريم عامّاً لا يفسدها، كالغيبة والكذب وغيرها؛ فهي محرّمة في الصيام وفي غير الصيام.


ورغم أنّ جمهور أهل العلم ذهب إلى عدم فساد صيام مرتكب المعصية إلا أنّ هذا جاء من باب تحقيق المسألة وتحرير الحكم؛ لذا كان لزاماً على المسلم أنْ يستحضر أنّ الحكمة الإلهية من تشريع الصيام هي ترسيخ التّقوى في نفس العبد، حيث قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[٣]


والعهد بأهل الصلاح أنْ يزيدهم الصّيام قرباً من الله -تعالى-، وحرصاً على امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وما يُنتظر بالمسلم في مواسم الطاعات كشهر رمضان أنْ يُقبل على كتاب الله، تلاوة وفهماً وتدبّراً وتطبيقاً، وأنْ يجدّد العهد على الطاعة ونبذ كلّ ما يلهي عن ذكر الله تعالى.


القائلون ببطلان الصيام

ذهب ابن حزم الظاهري ومن وافقه من أهل العلم على تفصيل بينهم إلى القول ببطلان صيام مرتكب المعصية؛ الذي ارتكبها متعمّداً وذاكراً لها، سواء كانت المعصية قولاً أو فعلاً، واستندوا في ذلك إلى عموم الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ ...).[٤][٥]


وقد ذهب بعض السلف من التّابعين إلى أنّ ارتكاب المعاصي سبب في فساد صيام الصائم؛ فمن استمع إلى حرام كالفحش والزور، أو ارتكب بلسانه حرامًا كالغيبة والنميمة والكذب، أو تعمّد إيذاء أحد، أو أخذ حقّه، أو تتبّع عورات المسلمين، أو غير ذلك من أنواع المحرمات، كان مفطرًا.[٦]

المراجع

  1. موافقي الأمين، الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري، صفحة 357 - 358. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية:187
  3. سورة البقرة، آية:183
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1894 ، صحيح.
  5. سيد حسن العفاني، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، جدة:دار ماجد عسيري، صفحة 59، جزء 1. بتصرّف.
  6. "الصوم والمعاصي"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 18/2/2023. بتصرّف.