عبادة الصيام

يعرف الصيام في اللغة بأنه الامتناع والكف عن الشيء، وفي الاصطلاح الشرعي: هو الامتناع عن جميع المفطرات، من الأكل والشرب والجماع وغير ذلك، من طلوع الفجر الصادق، أي أذان الفجر الثاني، حتى غروب الشمس، أي أذان المغرب، مع وجود نية التعبد لله -عزّ وجلّ- في فعل هذه العبادة،[١] ويعد الصيام عبادة من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه جلّ وعلا، وأحبها إليه، إذ هو أحد أركان الإسلام الخمسة التي يقوم عليها الدين، وهو من أسباب تحقيق العبودية لله تعالى، وهي كمال الخضوع والذل لله تعالى، مع محبته، والصيام تجتمع فيه هذه المعاني كلها، فيحقق بذلك الصائم عبوديته لله عز وجل بأعلى درجاتها ومراتبها، ويفوز برضا الله تعالى ومحبته وعونه ونصرته.[٢]


أنواع الصيام

يقسم الصيام إلى نوعين، وهي كما يأتي:[٣]

  • الصوم الواجب: وهو إما صيام واجب يعمّ جميع المكلفين في وجوبه، ويتمثل في صيام شهر رمضان المبارك، أداءً وقضاءً، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)،[٤] وإما أن يكون صياماً واجباً بسبب فِعلٍ فعله المكلف فترتب عليه الصيام، ويتمثل في صيام الكفارات والنذور، مثل كفارة اليمين، بصيام ثلاثة أيام لمن لم يجد الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة، ومثل من يلزم نفسه بالصيام بسبب نذر نذره.
  • صوم التطوع: وهو صيام النافلة التي حثت نصوص الشريعة الإسلامية عليه ورغبت به، ويؤجر المسلم على صومه بعظيم الأجر والثواب، مثل صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر هجري، وهم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر، وصيام يوم عرفة، وغير ذلك.


أركان الصيام

إن لكل عبادة من العبادات مجموعة من الأركان، لا تقوم العبادة ولا تصح إلا بتحققها، وفيما يأتي بيان أركان الصيام:[٥]

  • الإمساك عن جميع المفطرات: وهذا ركن باتفاق الفقهاء الأربعة، حيث يجب على الصائم أن يمتنع عن جميع المفطرات، كتعمّد الأكل والشرب، وتعمّد الجماع، وغير ذلك.
  • النية: وهي ركن عند المالكية والشافعية، وشرط عند الحنفية والحنابلة، والنية هي العزم على أداء عبادة الصيام واستحضارها، وانعقادها في قلبه على فعل الصيام وتعيينه.
  • الصائم: وهو ركن عند الشافعية فقط، حيث إن عبادة الصيام لا تكون إلا بوجوده.


شروط وجوب الصيام

يشترط لوجوب الصيام وصحته من الشخص أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط، وبيانها كما يأتي:[٦]

  • الإسلام: حيث يجب على الصائم أن يكون مسلماً، لأن الكافر لا تقبل ولا تصح منه العبادة.
  • البلوغ والعقل: فالصبي والمجنون غير مأمورين بالتكاليف الشرعية، فهم ليسوا من أهل التكليف، حيث إن الخطاب التشريعي موجّه للعاقل البالغ.
  • القدرة: حيث يجب الصيام على القادر، صحيح البدن سليماً من الأمراض، التي قد تؤثر عليه إن صام، فإن كان الشخص لا يطيق الصيام ولا يقدر على تحمله، يسقط عنه وجوبه، كالمريض الذي يشق عليه الصيام فلا حرج أن يفطر، وكبير السن العاجز الذي لا يطيقه، والحامل والمرضع اللتان تخافان على نفسيهما أو طفليهما أو الاثنين معاً، فيجوز لهما أن تفطرا.
  • الإقامة: حيث يشترط لوجوب الصيام أن يكون مقيماً، فقد أباح الله تعالى للمسافر أن يفطر.


مفسدات الصيام

فيما يأتي بيان ما يفسد الصوم ويبطله:[٧]

  • الجماع: إن الرجل إذا جامع زوجته أثناء صيامه، فقد بطل صيامه وفسد، سواء نزل منياً أو لم ينزل، وإذا كان الجماع في نهار رمضان، فإن ذلك موجب للكفارة المغلظة، وهي تحرير رقبة، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، فإذا لم يستطع يطعم ستين مسكيناً، ويلزمه إكمال صيام ذلك اليوم وقضاؤه.
  • الأكل والشرب: فمن أكل أو شرب متعمداً أثناء صيامه فقد فسد صومه، وأما إذا أكل أو شرب ناسياً، فلا يفسد صومه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن نَسِيَ وَهو صَائِمٌ، فأكَلَ، أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ).[٨]
  • التقيؤ: فإن تعمّد إخراج ما في المعدة من الأكل والشرب والتكلف في ذلك أثناء الصيام، فهو مبطل للصيام مفسد له، أما إذا غلبه القيء من غير إرادته واختياره فلا يفسد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ذرعَه القيءُ فليسَ عليهِ قضاءٌ ، ومَنْ استقاءَ عمدًا فليقضِ).[٩]
  • نزول المني: فإن تعمد إنزال المني بأي طريقة كانت، فقد فسد صومه، والمني هو ماء يخرج من الرجل والمرأة بسبب الشهوة.
  • دم الحيض والنفاس: فإذا رأت المرأة أثناء صيامها دم الحيض أو النفاس، فقد فسد صومها، وعليها أن تفطر.


فضائل الصيام

يعد الصيام من أعظم الأعمال عند الله تعالى وأفضلها، فعن الصحابي الجليل أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسولَ اللَّهِ مُرني بأمرٍ ينفعُني اللَّهُ بِهِ قالَ عليْكَ بالصِّيامِ ، فإنَّهُ لا مثلَ لَه)،[١٠] وفيما يأتي بيان بعض فضائله:[١١]

  • انتساب الصيام وإضافته لله تعالى تشريفاً لقدره وتعريفاً بعظيم أجره، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به).[١٢]
  • وقاية المسلم في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يقيه من الوقوع بالشهوات والمعاصي، وفي الآخرة يقيه من عذاب جهنم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والصِّيَامُ جُنَّةٌ)،[١٢] أي وقاية.
  • تحقيق أجر الصبر، فالصيام مشتمل على أنواع الصبر الثلاثة؛ صبر على الطاعة، فالصائم يصبر على فعل طاعة الصيام، وصبر عن المعصية، فالصائم يصبر بابتعاده عن معصية الله أثناء صومه، وصبر على أقدار الله، فالصائم يصيبه العطش والجوع والتعب ويصبر على ذلك.
  • تكفير الذنوب والفضل الكبير، فالصيام يؤدي إلى تكفير الذنوب والخطايا، ومحو السيئات، وزيادة الحسنات، وتحقيق الأجر العظيم.
  • شفاعته لصاحبه يوم القيامة، فالصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصِّيامُ والقرآنُ يَشْفَعَانِ للعبدِ ، يقولُ الصِّيامُ : ربِّ إنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ والشَّرَابَ بِالنَّهارِ ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ).[١٣]
  • دخول الجنة، فالصيام سبب لدخول الجنة، حيث يدخل الصائمون الجنة من باب يسمى باب الريان، وهو باب خاص بهم لا يدخله أحد غيرهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ).[١٤]
  • استجابة الدعاء، فالصيام سبب لإجابة الدعوات، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثُ دَعَواتٍ مُستجاباتٍ : دعوةُ الصائِمِ..).[١٥]


المراجع

  1. "تعريف الصيام وفضائله"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 8/9/2021. بتصرّف.
  2. "الصوم عبادة كلها خير "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 8/9/2021. بتصرّف.
  3. د. محمود فتوح محمد سعدات (20/8/2021)، "أنواع الصيام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/8/2021. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:183-184
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 113. بتصرّف.
  6. أحمد بن عبد العزيز الحداد، فقه الصيام على ضوء الكتاب والسنة واجتهاد الأئمة، صفحة 57-64.
  7. عبد الله بن جار الله الجار الله، خلاصة الكلام في أحكام الصيام، صفحة 8. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1155، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:720، صحيح.
  10. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبو أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:2220، صحيح.
  11. د. محمد رفيق مؤمن الشوبكي (20/8/2021)، "تعريف الصيام وفضائله"، الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 20/8/2021. بتصرّف.
  12. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1904، صحيح.
  13. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1429، صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:1896، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:3030، صحيح.