لا شك أن الصلاة أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ وذلك لأنها عمود الدين، وهي الصلة بين العبد وربه، ولمكانتها في الإسلام، ومركزيتها في شخصية الفرد المسلم، تعد من أعظم العبادات الظاهرة أثرا في حياة المجتمعات والأفراد، بل قد وردت أحاديث عظيمة في فضلها، ولزوم المحافظة عليها، في حين وردت أحاديث كثيرة تبين حكمها، وحكم تاركها والتكاسل عنها،[١] وبما أن الصلاة مركز لجميع العبادات فإن أثرها يتعدى إلى توقف قبول الأعمال عليها، ولعل صحة الصيام وبطلانه يعتمد على موقف العلماء من حكم تاركها، بل هو الأصل الذي تبنى عليه هذه المسألة.


هل يجوز الصيام بدون صلاة؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين:

القول الأول: صحة الصوم

وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء، ويرجع ذلك إلى القول بعدم كفر تارك الصلاة، ومن ثم اعتبارها كبيرة من الكبائر لا تخرج صاحبها من الملة بوجه من الوجوه، بل هي من أعلى درجات الفسوق، وقد قارب على الكفر، إلا أنه لا يعد كافرا،[٢] وقد استدل الجمهور بأن جميع ما ورد في هذا الباب، وهو إطلاق الكفر لا يرقى للقول بأنه مخرج من الملة؛ إذ إن الشأن في هذا الإطلاق محله التغليظ، والمبالغة في الإنكار، علاوة على أنه لم ير في عصر من الأعصار إقامة أحكام الكافر على تارك الصلاة، وحكيِ على ذلك الإجماع.[٣]


القول الثاني: عدم صحة الصوم

وهو ما ذهب إليه الحنابلة،[٤] وبعض الشافعية،[٥] ومال إلى هذا القول أيضاً علماء آخرون، منهم: ابن القيم، وابن باز، وابن عثيمين، وغيرهم،[٦] ويرجع ذلك إلى القول بكُفر تارك الصلاة كفراً أكبرَ مُخرجاً من الملة، بحيث يلزم من هذا الأمر إحباط جميع الأعمال، وذلك استناداً إلى قول الله -جلَّ وعلا-: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)،[٧] وإلى أحاديث أخرى كثيرة وردت في الصحيح وغيره، لعل من أبرزها قوله -عليه الصلاة والسلام-: (العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ فمَن تركَها فقد كفرَ).[٨][٩]


واجب المسلم نحو تارك الصلاة أثناء الصيام

بذل النصيحة بالمعروف

ينبغي على كل إنسان مسلم يؤمن بالله واليوم والآخر، أن لا يقصر جهده في نصح إخوانه الذين يقعون في مثل هذا الإثم العظيم، من خلال تبيين عقوبة تارك الصلاة، ومن ثم بيان أثر هذه العبادة الجليلة على سائر عباداته الأخرى، حيث تعد بمثابة الرأس للجسد، والغذاء للروح، فهي هُوية العبد، وبطاقة النجاح والفلاح في الدارين؛ ولهذا قال الصادق المصدوق كما في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (إن أولَ ما يُحَاسَبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملِهِ: صلاتُهُ ؛ فإن صَلَحَتْ فقد أَفْلَحَ وأَنْجَحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خاب وخَسِرَ).[١٠][١١]


توضيح ارتباط العبادات ببعضها وتأثير ترك الصلاة عليها

ينبغي على المسلم أن يستحضر معنى التماسك العظيم بين العبادات الربانية، خاصة أركان الإسلام؛ وذلك بكونها مبنى الإسلام الأول، فهي مترابطة فيما بينها، وتكمل بعضها بعضاً، وتسعى لتحقيق غاية واحدة، ألا وهي تقوى الله سبحانه وتعالى،[١٢] كما ينبغي على المسلم أن يعلم أن القول بكفر تارك الصلاة سار عليه جمع كبير من أهل العلم، وأنه قول معتبر بين أهل العلم؛ فحري به أن يرتدع وينزجر، ويحاول بقدر استطاعته أن يوضح هذا الخطر العظيم الذي يتهاون به كثير من الشباب، ومن ثم يبين الآثار المترتبة على هذا القول، وأن صيامه باطل أصلاً، فلا يُقبل منه، وأن حاله كحال غير المسلم إذا قام بالصوم، فإنه لا يقبل منه؛ وذلك لأنه لم يأت بأصل الإسلام، فوجود القول بصحة الصيام، لا يعني التساهل في أمر الصلاة أبداً.[١٣]

المراجع

  1. "هل يقبل صوم من لا يصلي"، إسلام ويب، 13/5/2015، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2021. بتصرّف.
  2. محمد رفيق الشوبكي (3/7/2015)، "يصوم ولا يصلي تكاسلا"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2021. بتصرّف.
  3. "يَدّعي الإجماع من يقول بكفر تارك الصلاة ومن يقول بعدم كفره ، فكيف نفهم حكاية الإجماع من كل منهما ؟"، إسلام سؤال وجواب، 7/12/2012، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2021. بتصرّف.
  4. أسامة سليمان، دروس الشيخ أسامة سليمان، صفحة 11. بتصرّف.
  5. محمد رفيق الشوبكي (3/7/2015)، "يصوم ولا يصلي تكاسلا"، الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2021. بتصرّف.
  6. ابن عثيمين، كتاب 48 سؤالا في الصيام، صفحة 17. بتصرّف.
  7. سورة الزمر، آية:65
  8. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى بن باز، عن بريدة بن الحصيب، الصفحة أو الرقم:356/1، إسناده صحيح.
  9. "هل يجوز الصيام بدون صلاة ؟."، الإسلام سؤال وجواب، 8/9/2008، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2021. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1280، صحيح لغيره.
  11. محمد رفيق الشوبكي (3/7/2015)، "يصوم ولا يصلي تكاسلا"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2021. بتصرّف.
  12. ياسر حامد (19/8/2015)، "أركان الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2021. بتصرّف.
  13. ابن عثيمين، كتاب 48 سؤالا في الصيام، صفحة 17. بتصرّف.