زكاة عسل النحل

تعددت آراء أهل العلم في وجوب زكاة عسل النحل، فمنهم من قال بالوجوب مع تحديد المقدار الواجب إخراجه لذلك، ومنهم من قال بعدم الوجوب، ويمكن بيان آرائهم على النحو الآتي:


القائلون بوجوب الزكاة

ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى القول بوجوب زكاة العسل بمقدار العُشر، واشترط الحنفيّة لذلك أن يكون النحل في أرض العُشر، وإلا فلا زكاة عليه، وقد استدلوا على ذلك بعدد من الآثار والأحاديث التي ضعّفها عدد من أهل العلم، نذكر منها:[١]

  • ما ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (كتب رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إلى أهلِ اليمنِ أن يُؤخذَ من العسلِ العُشْرُ).[٢]


  • ما ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أخَذَ منَ العَسَلِ العُشْرَ).[٣]


  • ما جاء في الحديث عن سعد بن أبي ذباب -رضي الله عنه- أنّه قال: (قدمتُ على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فأسلمتُ ثم قلتُ: يا رسولَ اللهِ اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالِهم، ففعل رسولُ اللهِ، واستعملني عليهم ثم استعملني أبو بكرٍ ثم عمرَ، قال: وكان سعدٌ من أهلِ السراةِ، قال: فكلمتُ قومي في العسلِ فقلتُ لهم: زكوه؛ فإنه لا خيرَ في ثمرةٍ لا تُزكى، فقالوا: كمْ؟ فقلتُ: العُشر، فأخذتُ منهم العشرَ، وأتيتُ عمرَ بنَ الخطابِ، فأخبرتُه بما كان، فقبضَه عمرُ فباعَه ثم جعل ثمنَه في صدقاتِ المسلمين).[٤]


  • ما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أنّه قال: (جاء هلالُ أحدُ بني مُتْعانٍ إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بعشورِ نحلٍ له، وكان سأله أنْ يَحْمِيَ له واديًا يقالُ له سَلَبَةُ، فحمَى له رسولُ اللهِ ذلك الوادي، فلما وُلِّيَ عمرُ بنُ الخطابِ -رضي الله عنه- كتب سفيانُ بنُ وهبٍ إلى عمرَ بنِ الخطابِ يسألُهُ عن ذلكَ، فكتبَ عمرُ: إنْ أدَّى إليكَ ما كان يُؤَدِّي إلى رسولِ اللهِ من عشورِ نَحْلِهِ فاحمِ له سلبَةَ، وإلا فإنَّما هو ذُبابُ غيثٍ يأكُلُه من يشاءُ).[٥]


كما استدلوا بغيرها من الأحاديث التي تفيد أنّ وجوب زكاة العسل ودفع العُشر، وأنّ قبول الصحابة -رضوان الله عليهم- لزكاة العسل والتصرّف فيه كما فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يدلّ على أنّه حق معهود في الشرع،[١] وينبغي التنبيه إلى أنّه لا يُشترط في زكاة العسل بلوغ النصاب أو دوران الحول -مضي عام كامل على ادخارها-.[٦]


القائلون بعدم وجوب الزكاة

ذهب الشافعيّة والمالكيّة إلى أنّ العسل لا زكاة فيه، وقد وافقهم في هذا جمعٌ من السلف، وحكاه ونقله ابن عبد البر عن جمهور الفقهاء؛ ودليلهم فيما ذهبوا إليه نلخصه بالآتي:[٧]

  • إنّ العسل مائع خارج من حيوان، وهو أشبه باللبن الذي لا زكاة فيه.
  • عدم ثبوت خبر صحيح يدلّ على وجوب زكاة العسل، كما لم يُنقل الإجماع على وجوبه.
  • إنّ العسل ليس بقوت، والزكاة عند هؤلاء -الشافعيّة والمالكيّة ومن وافقهم- تختصّ بالأقوات دون غيرها من المطعومات، مثل القمح والأرز، والشعير، والزبيب والتمر ونحو ذلك مما يتخذه الناس للأكل والعيش به.[٨]
  • زكاة العسل تجب في حال كان معدّاً للبيع؛ فتكون الزكاة الواجبة زكاة عروض التجارة لا زكاة العسل، ويُشترط فيها أولاً أن تبلغ النصاب، وأن يمرّ عليها عام كامل منذ بدء إنتاج أول محصول للعسل وعرضه للبيع.[٨]
  • قول البخاريّ: "لَيْسَ فِي زَكَاةِ اَلْعَسَلِ شَيْءً يَصِحُّ".[٩]


الراجح في زكاة العسل

رجّح جمعٌ من أهل العلم القول بعدم وجوب الزكاة في العسل، لعلّة الأحاديث الواردة في هذه المسألة، ولأنّ أهل الاختصاص صرّحوا بعدم صحّة شيء فيها كالإمام البخاريّ، وابن عبد البرّ، وابن المنذر -رحمهم الله جميعاً-، وقد حمل هؤلاء العلماء الأحاديث السابقة على أنّ ما كان يُعطى من عسل النحل لم يكن زكاة، إنّما كان مقابل حمايةً للوادي.[١٠]


إضافةً إلى أنّ قبول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بأخذ المال هو بمثابة إقرار لفعل القوم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في طلب الحماية، وحفظ العهد الذي كان بينهم وبين النبي -صلوات الله عليه- لا قبولاً للزكاة، ونحو ذلك مما قال به الحنفيّة والحنابلة، ولو كانت الأموال زكاة لأمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عامله سفيان أن يأخذ منهم الأموال بالقوة.[١٠]

المراجع

  1. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 96-97، جزء 30. بتصرّف.
  2. رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:126، مرفوع وفيه عبد الله بن محرز متروك الحديث كما قال البخاري وهذا يعني تضعيف روايته.
  3. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1824، قال الرباعي فيه أسامة بن زيد وهو ضعيف وقال بعض أهل العلم لا يخلو إسناده من مقال.
  4. رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن سعد بن أبي ذباب، الصفحة أو الرقم:127، قال البخاري عبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذباب لا يصح حديثه وقال ابن الأثير حسن.
  5. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1600 ، سكت عنه فهو صالح وحسنه الألباني.
  6. نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي، صفحة 159. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 98، جزء 30. بتصرّف.
  8. ^ أ ب لجنة الإفتاء (14/6/2010)، "ليس في العسل زكاة"، دائرة الإفتاء الأردنيّة، اطّلع عليه بتاريخ 25/7/2023. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، المسند المصنف المعلل، صفحة 444، جزء 31.
  10. ^ أ ب "خلاف العلماء في زكاة العسل ومقدار نصيب الزكاة فيه"، إسلام ويب، 27/4/2000، اطّلع عليه بتاريخ 25/7/2023. بتصرّف.