مكروهات الصيام

يُكره أثناء الصيام القيام بعدّة أمورٍ قد تؤدّي إلى إفساد الصوم إذا تمادى بها صاحبها، ونذكر مكروهات الصيام فيما يأتي:


المبالغة في المضمضة أو الاستنشاق

نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن المبالغة في استنشاق الماء بالوضوء أثناء الصيام، فقال: (أسبغِ الوضوءَ، وبالغ في الاستنشاقِ، إلَّا أن تَكونَ صائمًا)،[١] ومثله المضمضة؛ لأنّ المبالغة في ذلك مظنّة دخول الماء إلى الجوف، ومَن ابتلع شيئاً من الماء متعمِّداً بطل صيامه، أما إذا وصل شيءٌ منه دون قصدٍ ولا مبالغة فالصيام صحيح، والتعدّي بالمضمضة والاستنشاق يعني أن يفعل الصائم ذلك أكثر من ثلاث مرات، أو أن يغرغر بالماء، أو يسحبه إلى أعلى الخياشيم.[٢]


القبلة والملامسة ونحوها لمن تتحرك شهوته

يُكره للصائم تقبيل زوجته أو المباشرة بالّلمس واليد ونحوه إذا كان فعل ذلك ممّا يُحرّك شهوته، أمّا إذا غلب على ظنّه أنّ القبلة ونحوه ستؤدّي إلى إبطال الصوم بالإمناء أو الجماع فيحرم عليه القيام بذلك، ويُحمل حديث عائشة -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهو صَائِمٌ)؛[٣] على تقبيل الرحمة والشفقة، وهذا لا بأس به لِمَن أمِن إفساد صيامه.[٤]


ذوْق الطعام لغير حاجة

يُكره ذوق الطعام أثناء الصيام لغير حاجة، لأنّ ابتلاعه ووصول شيءٍ منه إلى الجوف يُفسد الصيام، وذَوْق الطعام مظنّة حصول ذلك، أمّا مَن كان محتاجاً إلى فعل ذلك؛ كأن يكون الصّائم طبَّاخاً، ويحتاج لتذوّق حلاوة الطعام أو ملوحته، فإن ذاق شيئاً من الطعام لحاجةٍ ثمّ بصقه فصيامه صحيح، ولا كراهة في فعله، مع ضرورة الحذر من ابتلاع شيءٍ ووصوله إلى الحلق.[٥]


مضغ العلك واللبان

يُكره مضغ اللبان والعلك أثناء الصيام، ويُقصد بالعلك هنا ما يكون بلا طعم ولا نكهات، ولا يتحلّل منه شيء إلى الجوف، وعلّل أهل العلم سبب كراهة مضغ اللبان والعلك بأنّه يجلب الريق، ويُسبّب العطش، وربّما أدّى إلى القيء، ولا يؤتمن من ابتلاعه، ولكن إنْ عَلَك الصائم لباناً ولم يبتلع منه شيئاً صحّ صيامه.[٦]


مكروهات أخرى أثناء الصيام

من المكروهات الأخرى التي يُكره للصائم فعلها أثناء الصيام:[٧]

  • شمّ ما يُمكن أن يصل إلى الحلق من الروائح؛ كالبخور، ومسحوق المسك، والكافور، ونحو ذلك.
  • جمع الريق أو النخامة وابتلاعها؛ لأنّ ذلك يُنافي الحكمة من الصيام.
  • الوِصال؛ وهو أن يواصل الصائم صيامه إلى اليوم الثاني دون أن يتناول شيئاً، فإن أكل شيئاً ولو كان يسيراً زالت الكراهة، والحِكمة من ذلك هو أنّ الوصال يُضعف الصائم في بدنه وفي قيامه بعبادته، ويُلحق الضرر بصحّته.


أيام يُكره صومها

يُكره في الصيام أيضاً تعمّد إفراد أيّام معيّنة ثبت في الأدلّة النّهي عن إفرادها، وتوضيح ذلك فيما يأتي:[٨]

  • إفراد يوم الجمعة بالصيام

يُكره تعمّد إفراد يوم الجمعة بالصيام، لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ، إلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ)،[٩] أمّا مَن صام يوم الجمعة دون قصد إفراده؛ كأن يوافق يوم عرفة، أو عاشوراء، أو عادة عند الصائم الذي يصوم يوماً ويُفطر يوماً، فهذا لا بأس ولا كراهة فيه.


  • حكم إفراد يوم السبت بالصيام

ذهب العديد من العلماء إلى كراهة إفراد يوم السبت بالصيام، ورجّح فريقٌ آخر منهم عدم كراهة صيامه، ولكلٍّ منهم أدلّته المعتبرة.


  • إفراد شهر رجب بالصيام

يُكره في الشّرع صيام شهر رجب كاملاً على وجه، لأنّه من الأشهر التي كانت النّاس تعظّمه في الجاهلية، وقد جاء عند ابن شيبة وغيره: "أن عمر رضي الله عنه كان يضرب أكفّ المترددين حتى يضعوها في الطعام، ويقول -رضي الله عنه-: إنّ هذا شهر تعظّمه الجاهلية"، وتزول الكراهة إذا أفطر الصائم منه بعض أيامه.


  • صيام الدّهر

وهو قيام المسلم بصيام جميع الأيام دون أن يفطر -باستثناء الأيام المنهي عنها-، وهو مكروهٌ عند معظم الفقهاء وأهل العلم، لأنّه يُضعف المسلم عن القيام بواجباته وعباداته، ويدلّ على كراهته قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (لا صَامَ مَن صَامَ الأبَدَ، لا صَامَ مَن صَامَ الأبَدَ، لا صَامَ مَن صَامَ الأبَدَ).[١٠][١١]


  • صيام يوم عرفة للحاج

ذهب جمهور أهل العلم إلى كراهة صيام يوم عرفة للحاجّ؛ حتى يتقوّى على القيام بمناسكه وعبادته، ولأنّه كان من هدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الإفطار في هذا اليوم في حجّهم، فعن لبابة بنت الحارث أم الفضل -رضي الله عنه-: (أنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَومَ عَرَفَةَ، في صِيَامِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هو صَائِمٌ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: ليسَ بصَائِمٍ، فأرْسَلْتُ إلَيْهِ بقَدَحِ لَبَنٍ، وَهو وَاقِفٌ علَى بَعِيرِهِ بعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ).[١٢][١١]

المراجع

  1. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن لقيط بن صبرة، الصفحة أو الرقم:87، صححه الألباني.
  2. "أحكام الصيام"، دار الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2023. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1106، صحيح.
  4. ابن جبرين، شرح أخصر المختصرات لابن جبرين، صفحة 9، جزء 16. بتصرّف.
  5. سعيد القحطاني، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 280. بتصرّف.
  6. سالم الهنداوي، تذكير الأنام بسنن وآداب الصيام، صفحة 126. بتصرّف.
  7. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 50-51، جزء 3. بتصرّف.
  8. حمد الحمد، فقه الصيام والحج من دليل الطالب، صفحة 3-5، جزء 9. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1985، صحيح.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1159، صحيح.
  11. ^ أ ب محمد الشوبكي، دليل الأنام في أحكام الصيام، صفحة 37-38. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن لبابة بنت الحارث أم الفضل، الصفحة أو الرقم:1123، صحيح.