من فضل الله علينا أنه أنعم علينا بنعم لا تُعد ولا تُحصى، ومن هذه النِعم توفيق العبد للطاعة والعبادة، وقد تنوعت العبادة فمنها ما هو فرض ومنها ما هو نفل، فالنفل يُكمل به المسلم ما انتقص من الفريضة، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: (يقولُ ربُّنا عزَّ وجلَّ لملائكتِه -وهو أعلَمُ-: انظُروا في صلاةِ عبدي أتَمَّها أم نقَصَها؟ فإنْ كانتْ تامَّةً كُتِبتْ له تامَّةً، وإنْ كان انتقَصَ منها شيئًا، قال: انظُروا، هل لعبدي مِن تطوُّعٍ؟ فإنْ كان له تطوُّعٌ، قال: أَتِمُّوا لعبدي فريضتَه مِن تطوُّعِه. ثمَّ تؤخَذُ الأعمالُ على ذاكم )،[١]

ومن أجلّ العبادات الصيام بشقيه الفرض والنفل، وقد تعدّد صيام النفل وتنوّع على مدار العام، كصيام ستة من شوال، والأيام البيض من كل شهر، والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة، ويوم عاشوراء، والصيام في شهر شعبان، وقد اختلف العلماء في استحباب الصيام ما بعد منتصف شهر شعبان، وهذا ما سنتاوله فيما يلي.


هل يجوز الصيام بعد النصف من شعبان؟

لقد ورد في نصوص الشريعة الإسلامية عدة أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص صيام ما بعد منتصف شعبان، منها ما يلي:

  • (إذا انتَصفَ شعبانُ فلا تَصوموا)،[٢] فظاهر الحديث يدل على عدم جواز الصيام بعد منتصف شعبان.
  • (لَا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بصَوْمِ يَومٍ أوْ يَومَيْنِ، إلَّا أنْ يَكونَ رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذلكَ اليَومَ)،[٣] فظاهر الحديث يدل على استحباب الصيام من شهر شعبان، ولو بعد منتصفه.

وبناء على هذين الحديثين، وغيرهما من الأحاديث التي وردت بخصوص صيام النصف الثاني من شهر شعبان، بين الجواز والنهي، فقد تعددت أقوال فقهاء مذاهب الأربعة في ذلك، وفيما يلي بيان أقوالهم:


القول الأول: الجواز

ذهب الحنفية،[٤] والمالكية،[٥] والحنابلة،[٦] إلى القول بجواز الصيام بعد النصف من شهر شعبان، واستدلوا على ذلك بحديث الصحابي الجليل عمران بن الحصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَا فُلاَنُ أَمَا صُمْتَ سُرَرَ هَذَا الشَّهْرِ؟ قَال الرَّجُل: لاَ يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ)،[٧] ويقصد بسرر شعبان؛ منتصف شهر شعبان أو آخره.  


القول الثاني: عدم الجواز

ذهب الشافعية إلى القول بعدم جواز تخصيص الصيام بعد النصف من شهر شعبان، إلا في حالات معينة يجوز فيها الصيام، وهي كما يأتي:

  • لمن كان له عادة في الصيام، كمن يصوم يومي الاثنين والخميس، أو صيام الأيام البيض، فيستمر على عادته.[٨][٩]
  • لمن كان عليه صوم واجب، مثل قضاء فرض من شهر رمضان، أو كفارة، أو نذر.
  • لمن شرع في صيام شهر شعبان من أوله، وتابع في نصفه وآخره، كأن يصوم أياماً من النصف الأول منه، وأياماً من النصف الثاني.


المراجع

  1. رواه أبو داوود، في سنن أبي داوود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:865، صحيح.
  2. رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2337، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1914، صحيح.
  4. عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي، صفحة 317. بتصرّف.
  5. خليل بن إسحاق الجندي المالكي، مختصر خليل، صفحة 61. بتصرّف.
  6. أسامة علي محمد سليمان، التعليق على العدة شرح العمدة، صفحة 17. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:1983 ، صحيح.
  8. درية العيطة، فقه العبادات على المذهب الشافعي، صفحة 59. بتصرّف.
  9. " حكم صيام شهر شعبان"، الإفتاء الأردني، اطّلع عليه بتاريخ 7/11/2021. بتصرّف.