إنّ يومَ عرَفة يومٌ من أيّام الله العظيمة المباركة، إذ هو اليومُ التاسِع من شهر ذي الحِجّة، وهو يومٌ يقِف فيه حُجّاج بيتِ الله الحَرام على جبل عرفات، حيث جاءت تسميةُ يوم عرفة بهذا الاسم بسبب ذلك، والوقوف بعرفة هو أعظمُ ركنٍ من أركانِ الحجّ؛ فقد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: (الحجُّ عَرَفةُ)،[١] وينبغي للمسلم أن يحرص على الإكثار في هذا اليوم العظيم من فعل الطاعات والعبادات، ومن ذلك عبادة الصيام.[٢]


ما حُكم صِيام يوم عرَفة؟

يختلف حكم صيام يوم عرفة بحسب حال المسلم، إن كان حاجّاً، أو غير حاجٍّ، وفيما يأتي بيان حكم صيام يوم عرفة بالنسبة لكليهما:[٣][٤]


حكم صيام يوم عرفة لغير الحاج

ذهب أهل العلم إلى القول باستحباب صيام يوم عرفة لغير الحاج، إذ إن صومه سنّة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويُعدّ صِيامه من آكدِ أيّام ذي الحِجّة للصّيام فيه،[٥] وذلك لِما يترتب على صيامه من الأجور العظيمة، والفضائل الكثيرة، حيث بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن صيامه يُكفّر ذنوب وخطايا سنتيْن، السنة التي قبله والسنة التي بعده، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث الصحابي الجليل أبي قتادة -رضي الله عنه- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ).[٦]


حكم صيام يوم عرفة للحاج

تعددت آراء أهل العلم في حكم صيام يوم عرفة إذا كان المسلم حاجّاً، وفيما يأتي بيان ذلك:

  • الجمهور: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى القول بعدم استحباب صيام يوم عرفة للحاج؛ وذلِك لغايةِ أن يتقوّى على الدّعاءِ والعباداتِ؛ وهذا صحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فلم يصمهُ صلّى الله عليه وسلّم عندما كان حاجّاً، حيث أخرج الإمام مسلم في صحيحه: (إنَّ النَّاسَ شَكُّوا في صِيَامِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَومَ عَرَفَةَ، فأرْسَلَتْ إلَيْهِ مَيْمُونَةُ بحِلَابِ اللَّبَنِ، وَهو وَاقِفٌ في المَوْقِفِ، فَشَرِبَ منه وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ).[٧]
  • الحنفيّة: ذهب الحنفية إلى القول بعدم استحباب صيام يوم عرفة للحاج وكراهة ذلك، بشرط أن يكون الصيام يضعفه عن أداء العبادات والدعاء، وأما إذا كان الصّوم لا يُضعفه، فيستحبّ له صومُه؛ لما فيه من فضلٍ على غيره من الأيّام.


فضائِل يوم عرَفة

تتعدّد أفضليّات هذا اليوم المبارك، ومنها ما يلي:[٨]

  • يوم عرفة يوم تمامِ الدّين وإكمال النعمة: وذلِك لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[٩] فهذه الآية قد نزلَت في حجّة الوداع يوم عرفة.
  • يومُ عرَفة يومٌ أقسمُ الله به: والله تعالى لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود الذي تشهده الملائكة الكرام، ويشهد الناس فيه على الحج وأعماله، فقال تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ).[١٠]
  • يومُ عرفة من أعظم الأيام عند الله تعالى: ففيه تعتقُ الرّقاب من النيران، وتُغفر الذنوب والخطايا، وتُجاب الدعوات، وتتنزل الخيرات والبركات، وهو يومُ مباهاةٍ من الله تعالى لعباده؛ وذلِك لما ورد في الحديث الشريف عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟).[١١]


المراجع

  1. رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم:1064، صحيح.
  2. د كامل صبحي صلاح (18/7/2019)، "يوم عرفة فضائله، وخصائصه"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16/9/2021. بتصرّف.
  3. أسامة سليمان، دروس الشيخ أسامة سليمان، صفحة 11. بتصرّف.
  4. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 17. بتصرّف.
  5. "يستحب صيام أيام عشر ذي الحجة"، إسلام ويب، 14/3/2001، اطّلع عليه بتاريخ 16/9/2021. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو قتادة الأنصاري، الصفحة أو الرقم:1162، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1124، صحيح.
  8. محمد جمعة الحلبوسي (18/11/2010)، "فضائل يوم عرفة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16/9/2021. بتصرّف.
  9. سورة المائدة، آية:3
  10. سورة البروج، آية:2-3
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم:1348، صحيح.