القول الراجح في زكاة الذهب الملبوس

تعددت أقوال أهل العلم في حكم زكاة الذهب والحلّي الذي تعتاد المرأة على ارتدائها؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّه لا زكاة فيها، وهو الرأي الراجح، وبه قال جمعٌ من الصحابة الكرام كابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأم المؤمنين عائشة، وأسماء بنت أبي بكر -رضوان الله عليهم-؛ إذ عدّوا هذا الذهب من المال غير النامي فهو كالثياب، بينما تجب الزكاة في المال النامي المعدّ للادخار، أو التجارة أو نحو ذلك.[١]


وتجدر الإشارة أنّ جمهور الفقهاء اشترطوا في الذهب المتخذّ للزينة أن يكون مما أباحته الشريعة، فإن كان مُحرماً وجبت فيه الزكاة؛ كاتخاذ الرجل للذهب وارتدائه له؛ فهذا تجب فيه الزكاة متى ما بلغ النصاب. وقد احتجّ الجمهور على رأيهم هذا بالأدلة الآتية:[١]


  • الحديث الموقوف على جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: (ليسَ في الحليِّ زكاةٌ).[٢]
  • ما صحّ عن نافع مولى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم جميعاً-، أنّه قال: (إنّ ابْنَ عُمَرَ كانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، فلَا يُخْرِجُ مِنْه الزَّكَاةَ).[٣]
  • ما صحّ عن عمرو بن دينار -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ الْحُلِيِّ أَفِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ جَابِرٌ: لَا، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ جَابِرٌ: كَثِيرٌ)،[٤] وفي رواية أخرى: (... يُعَارُ وَيُلْبَسُ).[٥]
  • ما صحّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها: (كَانَتْ تَلِي بَنَاتِ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيُّ، فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ).[٦]


ويُفهم مما سبق أنّ لا زكاة في الحلّي التي لا تكون من الذهب والفضة، فإن كانت من الذهب والفضة ومتخذة لزينة المرأة فلا زكاة عليها على رأي الجمهور، سواء لبستها دائماً أم لا، وسواء قلّت أو كثرت؛ بشرط أن لا تزيد كل قطعة منها على غير المعتاد، أمّا إن كانت الحلّي متخذة لزينة الرجل وقد بلغت النصاب فتجب فيها الزكاة؛ إذ إنّ المعصية ليست سبباً للإعفاء من وجوب الزكاة.[٧]


رأي من قال بوجوب زكاة الذهب الملبوس

ذهب الحنفيّة والإمام أحمد في رواية عنه، وجمعٌ من التابعين كابن المسيّب، ومجاهد وعطاء وابن سيرين -رحمهم الله جميعاً-، وهو مذهب عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وقيل مذهب مرويّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-؛ جميعهم ذهبوا إلى وجوب الزكاة في الذهب والحلّي المعدان للبس والاستعمال، وقد استدلوا على ذلك بالآتي:[٨]


  • قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).[٩]
  • ما صحّ عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ امرأةً أتت رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ومعها ابنةٌ لها، وفي يدِ ابنتِها مَسكتانِ غليظتانِ مِن ذهبٍ، فقالَ لها: أتُعطينَ زَكاةَ هذا؟ قالت: لا، قالَ: أيسرُّكِ أن يسوِّرَكِ اللَّهُ بهما يومَ القيامةِ سوارينِ من نارٍ، قالَ فخلعَتْهما فألقتْهما إلى النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وقالت: هما للَّهِ -عزَّ وجلَّ- ولرسولِه).[١٠]
  • ما صحّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (دخل علَيَّ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وفي يدي فتخاتٌ من ورِقٍ -من فضة- فقال: ما هذا يا عائشةُ؟ فقلت: صنعتُهن أتزينُ لك يا رسولَ اللهِ، قال: أتؤدِّين زكاتَهن؟ قلت: لا، أو ما شاء اللهُ، قال: هو حسبُكِ من النارِ).[١١]


كما استدلوا بغيرها من الأحاديث الدالة في عمومها على وجوب الزكاة في الحلّي المعدّ للاستعمال والتزيّن، وردّوا على أدلة الفريق الأول يمكن مراجعتها والاطلاع عليها في موضعها.[١٢]

المراجع

  1. ^ أ ب كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 23-24، جزء 2. بتصرّف.
  2. رواه الدارقطني، في سنن الدارقطني، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:276، قال الدارقطني فيه أبو حمزة ميمون ضعيف الحديث وقال البيهقي لا أصل له مرفوعا والصحيح أنه موقوف على جابر.
  3. رواه الإمام مالك، في الموطأ، عن نافع مولى ابن عمر، الصفحة أو الرقم:657، صححه ابن الأثير.
  4. رواه البيهقي، في السنن الكبرى ، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم:7539، قال ابن الملقن إسناده صحيح وأضاف الألباني على شرط الشيخين.
  5. رواه الدارقطني، في سنن الدارقطني، عن محمد بن مسلم المكي أبي الزبير، الصفحة أو الرقم:4، صححه الألباني وقال إسناده صحيح على شرط مسلم.
  6. رواه الإمام مالك، في الموطأ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، الصفحة أو الرقم:858، قال ابن عبد البر أثبت إسنادا وأعدل شهادة.
  7. سماحة الدكتور نوح علي سلمان (18/7/2012)، "هل في الحلي زكاة"، دائرة الإفتاء اردنية، اطّلع عليه بتاريخ 18/7/2023. بتصرّف.
  8. حمد الحمد، شرح زاد المستقنع، صفحة 100-102، جزء 9. بتصرّف.
  9. سورة التوبة، آية:34
  10. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1563، صححه الحاكم وحسنه الألباني وقال ابن دقيق العيد إسناده على شرط مسلم.
  11. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1565، صححه ابن حجر وقال صحيح على شرطهما.
  12. حمد الحمد، شرح زاد المستقنع، صفحة 103-104، جزء 9.