الفرق بين الصوم والصيام

إنّ الباحث عن الفرق بين لفظيّ الصوم والصيام في أقوال أهل العلم يجد أنّ هذه المسألة قديمة البحث، وأنّ أهل العلم قد انقسموا فيها إلى قسمين، فمن المفسّرين واللغويّين مَن يرى أنّ معناهما واحدٌ ولا فرق بينهما، ومنهم مَن نفى الترادف بين اللّفظين، وقالوا بوجودٍ فرقٍ بينهما بحسب استعمال القرآن الكريم لكلٍّ منهما، وتوضيح ذلك كلّه فيما يأتي:


القائلون بالترادف بين الصوم والصيام

أجاز العديد من أهل العلم الترادف بين الكلمات، وبناءً على ذلك ذهب فريقٌ من العلماء إلى القول بعدم وجود فرقٍ بين الصوم والصيام، فهما يشتركان لغةً في معنى الإمساك والترك، وشرعاً في معنى الإمساك عن المفطّرات، ويظهر ذلك في العديد من أقوال أهل العلم وما استندوا إليه من الأدلّة، وتوضيح ذلك في النقاط الآتية:[١]


  • نفى ابن عابدين وجود فرقٍ بين الصوم والصيام، وقال العيني: "والصيام والصوم واحدَ وَهو الإمساك لغةً، وشرعا: إمساك عن المُفطرات".[٢]


  • جاء في العديد من المعاجم الإشارة إلى عدم وجود فرقٍ بين اشتقاقات الصيام، ففي معجم اللغة العربية المعاصر معنى لفظ صوم: "صامَ يَصُوم، صُمْ، صَوْمًا وصِيامًا، فهو صائم"، وبالمعنى الشرعي صام بمعنى: "أمسك عن الطَّعام والشَّراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس مع النِّيَّة".[٣]


  • ذُكِر لفظ الصوم والصيام في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة بمعنى واحد

ذُكِر لفظ الصوم والصيام في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة بمعنى واحد، ولم يختلف معنى استعمال كلٍّ منهما عن الآخر، فمثلاً جاء لفظ الصوم في الحديث القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به)،[٤]وقال -عليه الصلاة والسلام-: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ...)، وقال فيه: (... وصَوْمِ رَمَضَانَ)،[٥] وجاء في لفظ الصيام قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصِّيام جنة من النَّار كجنة أحدكم من القتال)،[٦] بالإضافة إلى غيرها من الأحاديث.


القائلون بالتّفرقة بين الصوم والصيام

نفى الكثير من العلماء وجود الترادف في اللغة تماماً، وقالوا بالتفريق بين الألفاظ المتشابهة من خلال سياق استعمال كلّ لفظٍ منها، بحيث يختصّ كلٌّ منهما بمعانٍ ليست موجودة في اللّفظ الآخر، وبناءً على ذلك ذهب العديد من العلماء إلى أنّ الفرق بين لفظ الصوم والصيام يتوضّح من خلال البحث عن استعمال القرآن الكريم لكلٍّ منهما.


ومن ذلك ما قاله أبو هلال العسكري في معجم الفروق اللغوية، فقال إنّ الصوم يعني الامتناع عن الكلام، وقد كان ذلك في الشرائع السابقة، ويدلّ عليه استعمال القرآن الكريم له، إذْ ورد مرَّةً واحدةً في القرآن في قول الله -تعالى- لمريم -عليها السلام-: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا).[٧][٨]


أمّا الصيام فيعني الإمساك عن المفطّرات مع نيّة التقرّب بهذه العبادة إلى الله -سبحانه-، وقد ورد هذا اللّفظ في العديد من المواطن في القرآن الكريم، كقول الله -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)،[٩][٨] ويؤكّد ذلك قول القرطبي عن معنى الصوم: "وَالَّذِي تَتَابَعَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرُوَاةِ اللُّغَةِ أَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الصَّمْتُ، لِأَنَّ الصَّوْمَ إِمْسَاكٌ وَالصَّمْتَ إِمْسَاكٌ عَنِ الكلام".[١٠]


بلاغة القرآن في استعمال لفظيّ الصوم والصيام

لفظ صوْم على وزن فعل، أما لفظ صيام فهو على وزن فِعال، وهذا اللّفظ في اللغة يدلّ على المفاعلة والمشاركة والمقاومة والمجاهدة ونحوها من المعاني، فلمّا كان الصيام يدلّ على هذه المعاني كلّها ناسب أن يختار الله -سبحانه- هذا اللّفظ لفريضة الصيام، وهو ما لا يوجد في مصدر صوْم، لأنّ الصيام يتّسع مضمونه ليشمل معنى المجاهدة والإمساك عن المفطرات وعن الأفعال السيئة كلّها، فيكون الصيام خير وعاءٍ لغويٍّ للبناء الجسديّ والأخلاقي في حياة المسلم على حدّ السواء، وهي إحدى القيم العظيمة التي قصدها الشرع الإسلامي من فرضية الصيام.[١١]

المراجع

  1. أحمد بدوي، "هل من فرق بين لفظتي (الصوم) و(الصيام) دلاليا؟"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 27/3/2023. بتصرّف.
  2. بدر الدين العيني، شرح سنن أبي داود للعيني، صفحة 450، جزء 2.
  3. أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، صفحة 1337، جزء 2.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5927، صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:8، صحيح.
  6. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، الصفحة أو الرقم:1336، صححه الألباني.
  7. سورة مريم، آية:26
  8. ^ أ ب أبو هلال العسكري، معجم الفروق اللغوية، صفحة 325. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية:183
  10. القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 98، جزء 11.
  11. علي علي صبح، التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، صفحة 159-160. بتصرّف.