شروط الإيمان بالقضاء والقدر

يجب على المسلم أن يحقّق شروطاً لاكتمال إيمانه بالقضاء والقدر، وهي ما تعرف بمراتب وأركان الإيمان بالقدر، وهي أربع مراتب كما قررّها أهل العلم، فمن أقرّ بها جميعاً فإن إيمانه بالقدر يكون مكتملاً، وإن انتقص منها واحداً أو أكثر فقد اختلّ إيمانه بالقدر،[١] وبيانها كما يلي:[٢][٣]


الإيمان بعلم الله الشامل المحيط

إن علم الله -عزّ وجلّ- شامل لكل شيءٍ محيطٌ بكل شيء، فهو -سبحاته- يعلم بكل شيء في الوجود، من الموجودات والمعدومات، والممكنات والمستحيلات، يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، يعلم -سبحانه- بعباده، وآجالهم وأرزاقهم، وحركاتهم وسكناتهم، وشقاوتهم وسعادتهم، وأعمالهم وأحوالهم، ومن منهم من أهل الجنة، ومن منهم من أهل النار، فيعلم أمور خلقه قبل أن يخلقهم، ومن قبل أن يخلق الجنة والنار، والسماوات والأرض.


وكل ذلك بمقتضى اتصافه بالعلم، ومقتضى كونه أنه العليم الخبير، السميع البصير، علّام الغيوب، عالم الغيب والشهادة، والأدلة على هذه المرتبة كثيرة؛ منها قول الله -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)،[٤] وما جاء في الحديث الصحيح: (سُئِلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أوْلَادِ المُشْرِكِينَ، فَقالَ: اللَّهُ إذْ خَلَقَهُمْ أعْلَمُ بما كَانُوا عَامِلِينَ).[٥]


الإيمان أن الله كَتَبَ في اللوح المحفوظ كل شيء

إن الله -عزّ وجلّ- كتب في اللوح المحفوظ كل شيء؛ من مقادير الخلائق، وكل ما يجري ويحدث في الكون، من قبل خلق السموات والأرض إلى قيام الساعة، دلّ على ذلك ما جاء في الحديث الصحيح: (إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ : اكتبْ، قال : ربِّ وماذا أكتبُ ؟ قال : اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ).[٦]


وقد سمّى الله -تعالى- اللوح المحفوظ في القرآن الكريم بأسماء عدّة؛ كالكتاب، والكتاب المبين، والإمام المبين، وأم الكتاب، والكتاب المسطور، ومن ذلك قوله -تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).[٧]


الإيمان بمشيئة الله الشاملة وقدرته النافذة

إن الله -عزّ وجلّ- له المشيئة النافذة والقدرة الشاملة، فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشرّ إلا بمشيئته وإرادته -سبحانه-، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ سواء كان ممّا يتعلق بفعله -سبحانه- كالخلق والتدبير، والإحياء والإماتة، ونحو ذلك، أو ممّا يتعلق بأفعال المخلوقين من الأفعال والأقوال والأحوال، والأدلة على هذه المرتبة كثيرة، منها قوله -تعالى-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).[٨]


الإيمان أن الله خالق كل شيء

إن الله -عزّ وجلّ- خلق الخلق وكوّنهم وأوجدهم، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه، فما من شيء في الكون إلا خلقه وأوجده، قال -تعالى-: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ).[٩]




المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 247-248. بتصرّف.
  2. الدكتور عمر الأشقر، القضاء والقدر، صفحة 26-33. بتصرّف.
  3. أبو بكر أحمد البيهقي، القضاء والقدر، صفحة 61-75. بتصرّف.
  4. سورة الأنعام، آية:59
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1383، صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم:4700، صحيح.
  7. سورة يونس، آية:61
  8. سورة آل عمران، آية:26
  9. سورة الأنعام، آية:102