شروط الشفاعة يوم القيامة
تكلّم العلماء مطولاً في مسألة الشفاعة، وأنواعها، والمقصود منها، وقد عرّفها بعضهم بأنّها: دعاء الشافع لله -تبارك وتعالى- لِأَنْ ينال المشفوع له الخير والثواب، والمغفرة، والوقاية من العذاب وشديد العقاب، فالله -سبحانه- هو مالك الشفاعة، وليس لأحدٍ سواه أيّ حقٍ في إقرارها وقبولها.[١]
ومن هنا جاء الحديث عن شروط الشفاعة يوم القيامة؛ فقد ذكر أهل العلم عدداً من الشروط الواجب تحققها لحصول الشفاعة، استدلالاً بالعديد من الأدلة الشرعيّة؛ من أبرزها قوله -سبحانه-: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى)،[٢][٣] ونذكر فيما يأتي أهمّ شروط الشفاعة يوم القيامة:[٤]
- أن يأذن الله -تعالى- للشافع أيّاً كانت منزلته؛ سواء أكان نبيّاً أو مؤمناً تقيّاً.
- أن يكون المشفوع له ممّن تجوز لهم الشفاعة؛ فلا شفاعة -مثلاً- للكافر المشرك بالله -تعالى-، وهذه قاعدة عامّة، ولكن يُستثنى منها شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمّه أبي طالب، إذ إنّها شفاعة جزئيّة نتج عنها تخفيف العذاب لا النجاة منه.
- أن يكون الشافع ممّن يرتضيه الله -تعالى- للشفاعة، بإيمانه وصلاحه وعمله.[٥]
الحكمة من الشفاعة المشروعة يوم القيامة
يظهر من الشروط السابقة الحكمة من الشفاعة المشروعة يوم القيامة، ففي هذه القيود:[٦]
- زيادة إجلال وتعظيم لله -تعالى-؛ بحيث لا تكون الشفاعة إلا بإذنه -سبحانه-.
- إظهار لوجاهة ومكانة الشافع عند مولاه -سبحانه- نتيجة صلاحه وتقواه.
- إظهار مدى رحمة الله -تعالى- لتشمل المذنبين والعاصين لأمره، وفي هذا أمل للمسرفين على أنفسهم بالنجاة من العذاب وشدّته، وفيه حسن التجرّد لله -تعالى- والفزع إلى رحمته وكرمه.
ويجدر الإشارة في هذا المقام إلى قول الإمام القرطبي في الشفاعة، والحكمة منها؛ حيث قال -رحمه الله- في تفسيره: "... الشَّفَاعَةُ إِذًا ضَمُّ غَيْرِكَ إِلَى جَاهِكَ وَوَسِيلَتِكَ؛ فَهِيَ عَلَى التَّحْقِيقِ إِظْهَارٌ لِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمُشَفَّعِ وَإِيصَالُ مَنْفَعَتِهِ لِلْمَشْفُوعِ".[٧]
أنواع الشفاعة يوم القيامة
قسّم العلماء الشفاعة إلى شفاعة مثبتة وشفاعة منفيّة؛ وقد أدرجوا تحت هذه الشفاعة المثبتة أنواعاً أخرى؛ ويمكن توضيح معنى الشفاعة المثبتة بأنّها: الشفاعة التي أثبتها الله -تعالى- لأهل الإخلاص والإيمان.[٨]
أمّا الشفاعة المنفيّة: فهي الشفاعة التي تكون لأهل الشرك، أو الشفاعة التي لا تكون بإذن الله -تعالى-، أو يكون طلب هذه الشفاعة من غير الله -تعالى-، فهذه الشفاعة لا تحصل ولا تكون، لعدم تحقق شروط الشفاعة المشروعة فيها، لكنّها سمّيت شفاعةً للمعنى العام لهذه الكلمة؛ والتي يُقصد بها: التوسط للغير لجلب المنفعة أو دفع الضرر.[٨]
والشفاعة المثبتة يمكن تقسيمها إلى شفاعة عامة وشفاعة خاصّة؛ ويمكن بيانهما على النحو الآتي:[٩]
- الشفاعة العامة
إنّ الشفاعة التي تكون من النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشاركه فيها غيره من الأنبياء، والملائكة الكرام -عليهم السلام-، أو من صالح المؤمنين؛ هي الشفاعة العامة، والتي تكون في حقّ من دخل النار أن يخرج منها، أو فيمن حقّت عليه النار أن لا يدخلها.
- الشفاعة الخاصّة
يُقصد بالشفاعة الخاصّة؛ الشفاعة التي اختصّ بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تكون إلا له، وتكون شفاعته الخاصّة بالآتي:
- الشفاعة لأهل الموقف بأن يُعجّل لهم الحساب، وهي الشفاعة العظمى، والمقام المحمود الذي وعده الله -تعالى- به يوم القيامة.
- الشفاعة لسبعين ألفاً من أمته أن يدخلوا الجنّة من غير حساب.
- الشفاعة لمن تساوت حسناتهم مع سيئاتهم بأن يدخلوا الجنة، ويكونوا من أصحابها.
- الشفاعة لرفع درجات أصحاب الجنة، بدرجة أعلى مما اقتضته أعمالهم.
- الشفاعة للمؤمنين جميعهم بأن يدخلوا الجنة.
- الشفاعة لأبي طالب أن يُخفف عنه العذاب.
المراجع
- ↑ محمد بن عبد الله باجسير، القواعد في توحيد العبادة، صفحة 853-854، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة النجم، آية:26
- ↑ محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 286، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة، صفحة 4، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ مبارك الميلي، رسالة الشرك ومظاهره، صفحة 326. بتصرّف.
- ↑ مبارك الميلي، رسالة الشرك ومظاهره، صفحة 329. بتصرّف.
- ↑ القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، صفحة 378، جزء 1.
- ^ أ ب محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 306، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 285، جزء 1. بتصرّف.