شروط أموال الحج
مما اتفق عليه الفقهاء أن وجوب الحج على المسلم مرتبط بتحقيق عدة شروط، ومنها شرط الاستطاعة، فالحج غير واجب على غير المستطيع،[١] لقوله -تعالى-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}،[٢] والمقصود بالاستطاعة كما قال الفقهاء؛ القدرة على الوصول إلى مكة، وللاستطاعة أنواع، ومنها الاستطاعة المالية، وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن من لا يملك المال الكافي للحج -بعد أداء ما عليه من حقوق لله أو للعباد كالزكاة والكفارة والديون، وتأمين نفقة أهل بيته وعياله- فإنه لا يجب عليه الحج،[٣] ولكنهم اختلفوا في حدود الاستطاعة المالية ووجوهها،[٤] على النحو التالي:
الحنفية
ذهبوا إلى أن المطلوب هو القدرة على تأمين نفقات الحج، من طعام وشراب، ووسيلة ركوب في الطريق، في ذهابه وإيابه، وما يلزمه من مسكن وأثاث ولباس، وغير ذلك، بعد تأمين نفقة أهله ومن تجب عليه نفقتهم، طيلة مدة الحج حتى عودته إليهم.[٥]
المالكية
ذهبوا إلى أن الاستطاعة المالية منحصرة في القدرة على الوصول إلى مكة، فلا يشترط وجود المال لتأمين الطعام ووسيلة الركوب، فلو كان عنده شيء يبيعه من ماشية أو عقار أو كتب، فيجب عليه الحج، ولو كان صاحب مهنة يستطيع التكسب من مهنته ليؤمِّنَ طعامه من خلالها، في طريقه أو أثناء الحج، فيجب عليه الحج كذلك، ولو كان قادراً على المشي -حتى لو كان بعيداً عن مكة أكثر من ثلاثة أيام- فإنه يجب عليه الحج أيضاً، ولا يشترط عندهم القدرة على الرجوع إلى بلده، كما لا يشترط تأمين النفقة على أهله وعياله أثناء غيابه، حتى لو لم يترك عندهم شيئاً، وتصدق الناس عليهم، إلا إذا خاف عليهم الهلاك أو الأذى الشديد، ليقينه بعدم وجود من يتصدق عليهم، فلا يجب عليه الحج عند ذلك.[٦]
الشافعية
ذهبوا إلى وجوب القدرة على تأمين طعامه وشرابه، وتأمين كلفة ذهابه إلى مكة ورجوعه منها إلى بلده، فإذا كان لا يملك المال وكان يستطيع أن يعمل أثناء سفره ويكسب كل يوم كلفة السفر الطويل وهو بمقدار 98 كيلو متر، فإنه لا يجب عليه الحج، وحتى لو اكتسب كلفة عدة أيام في يوم واحد فلا يجب عليه أيضاً، لاحتمالية انقطاع عمله وكسبه في أي وقت، كما أنه لا يجب عليه الجمع بين السفر والكسب لما فيه من مشقة كبيرة، إلا إذا كان قريباً من مكة، وكان سفره قصيراً أقل من 98 كيلو متر، فيجب عليه الحج حينئذ.[٧]
الحنابلة
ذهبوا إلى أن الاستطاعة المالية المطلوبة هي القدرة على تأمين الطعام والشراب ووسيلة الركوب إلى مكة فقط، وذلك لما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه فسّر الاستطاعة بالزاد والراحلة، وقالوا بأنه لا يجب على المسلم قبول المال المبذول له من أحد كي يحج به، حتى لو كان من ولده، لما في ذلك من المنّة.[٨]
حكم الحج بمال حرام
الواجب على المسلم أن يتحرى كسب المال الحلال في كل أحواله، فكيف به إذا كان يريد أن يتقرب بهذا المال إلى الله -تعالى-، فهو أحرى وأوجب، فلا بد أن يكون مال الحج حلالاً طيباً، لأن الله -تعالى- طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، كما جاء في الحديث، ومع ذلك فقد طرح الفقهاء مسألة الحج بمال حرام كالمال المغصوب أو الذي فيه شبهة، لأنها قد تحصل في بعض الأحيان، وخلاصة الحكم بأن الحج يصح من حيث ظاهر الحكم، ولكن الحاج عاصٍ آثم، وحجه ليس مبروراً، وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، وقال الإمام أحمد بن حنبل في رواية له بأن حجه غير صحيح، وفي رواية أخرى بأنه صحيح مع الإثم.[٩]
المراجع
- ↑ عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 572-573. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:97
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2082. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2083. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2084-2085. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2086-2087. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2089. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 82. بتصرّف.