شرح "وأذن في الناس بالحج"

ورد في سورة الحج قوله -تعالى-: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.[١]


شرح مفردات الآية

فيما يأتي توضيح مفردات الآية:[٢]

  • وأذن: أي نادِ.
  • في الناس بالحج: أي ارفع صوتك بالنداء ليسمعك الناس وأنت تدعوهم إلى الحج.
  • رجالاً: جمع راجل وهو الماشي.
  • وعلى كل ضامر: أي يركبون على البعير الهزيل.
  • فج عميق: أي طريق بعيد.


سبب نزول الآية

روى ابن جرير عن مجاهد في قوله: كانوا لا يركبون، فأنزل الله {يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ}،[١] فأباح لهم الركوب والتجارة، وأمرهم بالتزود من الطعام.[٣]


مناسبة الآية

ذكر الله -تعالى- في الآيات السابقة موقف المشركين من الصد عن سبيل الله والمسجد الحرام، ووبخهم على فعلهم وتوعدهم بالعذاب، ثم أراد أن يبين لهم مكانة البيت الحرام، وأن أباهم إبراهيم -عليه السلام- هو من قام ببنائه، واستجاب لأمر ربه في تطهيره ودعوة الناس للحج إليه.[٣]


تفسير الآية

  • في هذه الآية يخاطب الله -تعالى- نبيّه إبراهيم -عليه السلام- فيأمره أن ينادي الناس ويدعوهم إلى حج بيت الله الحرام -بعد أن قام بإعادة بنائه وتطهيره- وأنه إذا ناداهم فسيأتون إليه مُشاةً على أقدامهم وركباناً على الإبل الهزيلة من كل مكان ومن كل طريق بعيد في الأرض، وقد رُوي أن إبراهيم -عليه السلام- سأل الله -تعالى- متعجباً: "يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟" فأجابه -تعالى- بأن: "نَادِ وَعَلَيْنَا الْبَلَاغُ"، فصعد على أحد جبال مكة وهو جبل أبو قبيس، وقيل أنه صعد على الصفا أو غيره، ونادى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ".[٤]
  • فبلغ صوته مشارق الأرض ومغاربها وسمعه من في الأرحام والأصلاب، وأجابوه كلهم حتى الحجر والشجر ومن كتب الله لهم أن يحجوا إلى يوم القيامة بـ: "لبيك اللهم لبيك"، ثم صار الناس يأتون إلى مكة حجاجاً من كل بقاع الأرض بكل شوق ولهفة، وبذلك استجيبت دعوة إبراهيم في قوله -تعالى-: {فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ}،[٥] فما من مسلم على ظهر الأرض إلا ويَحِنُّ ويشتاق لرؤية الكعبة ويحب أن يحج إليها.[٤]


الأحكام الفقهية في الآية

انبثقت من هذه الآية مسألة فقهية اختلف فيها العلماء على قولين، وهي: أيهما أفضل؛ الحج مشياً على الأقدام، أم ركوباً؟ فذهب البعض إلى أن الحج مشياً على القدمين أفضل، ودليلهم أن الله -تعالى- ذكره في الآية قبل الركوب، وقدّمه عليه، فهو أفضل منه، وقد رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- قوله: "ما آسى على شيء فاتني إلا أني وددت أني كنت حججت ماشياً لأن الله يقول يأتوك رجالا"، ولكن جمهور أهل العلم اتفق على أن الحج راكباً أفضل، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج راكباً وكان يستطيع الحج ماشياً في ذلك الوقت، فقد كانت لديه القوة والقدرة عليه، فدَلَّ فعله على أن الركوب إلى الحج أفضل، والاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أوجب وأفضل.[٦]


المراجع

  1. ^ أ ب سورة الحج، آية:27
  2. جلال الدين المحلي، تفسير الجلالين، صفحة 437. بتصرّف.
  3. ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 193. بتصرّف.
  4. ^ أ ب محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، صفحة 539. بتصرّف.
  5. سورة ابراهيم، آية:37
  6. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 195. بتصرّف.