حديث الطهور شطر الإيمان

جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها)،[١] يعد هذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين، يشتمل على قواعد مهمة في الإسلام، حيث اشتمل على جمل تدل على فضائل جملة من الأعمال، وفيها من التوجيهات التي ترغّب المسلم وتدعوه إلى التمسك بها والإتيان بمقتضاها، وهذه الأعمال هي: الطهارة، والذكر، والصلاة، والصدقة، والصبر، والقرآن الكريم، وذكر في نهاية الحديث توجيه ووصية هامة، حيث بين فيها أن جميع الخلق في سعي في هذه الحياة لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم، فمنهم من يسعى لنيل الآخرة ويجعل همه رضا الله تعالى فيبع نفسه لله تعالى، فهذا يفوز بالجنة وينجو من النار، ومنهم من يسعى للدنيا الفانية ويجعل همه الدنيا فيتلذذ بالمعاصي والشهوات، ويهلك نفسه في ذلك، فهذا قد خاب وخسر، وكتبت له الشقاوة في الدنيا والآخرة.[٢]


شرح حديث الطهور شطر الإيمان

فيما يأتي شرح جمل الحديث، وهي:[٣][٤]


الطهور شطر الإيمان

تعددت أقوال العلماء في مراد النبي صلى الله عليه وسلم ومقصوده من كلمة الطهور وكلمة الإيمان في هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى أن الطهور هو الوضوء والإيمان الصلاة، فإن الوضوء والطهارة من إزالة النجاسة ورفع الحدث لأداء فريضة الصلاة هو شطر الصلاة أي نصفها، وذلك لأن الصلاة لا تصح من غير وضوء، فالوضوء هو شرط لصحة الصلاة فصار كالنصف، وذهب بعضهم إلى أن الطهور هو ترك الذنوب والمعاصي فالإيمان هو فعل وترك؛ فالفعل يكون بتوحيد الله تعالى وامتثال أوامره وعبادته، والترك يكون باجتناب الذنوب والمعاصي وكل ما نهى عنه، وكل هذا يدل على أهمية الطهارة وعظمها في الدين الإسلامي، سواء طهارة الباطن، أي تطهير قلبه من الشرك والنفاق والحقد وغيره، وطهارة الظاهر من تحقيق الوضوء والنظافة والغسل، فعلى المسلم أن يسعى ويهتم في تطهير قلبه وبدنه.


التحميد والتسبيح

بين النبي صلى الله عليه وسلم في جملته عن الحمد والتسبيح عظيم الأجر المترتب على قول هذه الكلمات الطيبات، فهي تملأ ميزان الأعمال يوم القيامة وتضاعف العمل، وتملآن ما بين السموات والأرض، وكل هذا لاشتمالهما على ثناء الله تعالى وتعظيمه وتنزيهه من كل نقص وعيب، ووصفه بصفات الكمال التي تليق بعظمته وجلاله.


الصلاة نور

وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالنور، فالصلاة نور للإنسان في الدنيا والآخرة، فهي نور لقلبه ووجهه وطريقه، حيث تهدي الإنسان إلى طريق الحق والصواب، فتنهاه عن الفحشاء والمنكر وتمنعه من ارتكاب المعاصي، وتكون نوراً للإنسان في الآخرة من ظلمة يوم القيامة، فالصلاة إذا فعلت بتمام أركانها وشروطها كانت له نوراً في الدنيا والآخرة، وكل ذلك لعظيم هذه العبادة وفضل أجرها.


الصدقة برهان

تعد الصدقة دليلاً على إيمان العبد وصدقه، وقوة إيمانه ويقينه، فهي علامة واضحة على ذلك، فالنفوس مجبولة على حب المال وامتلاكه، والصدقة تفرق بين الشحيح البخيل الذي لا ينفق لوجه الله تعالى ولا يؤدي ما عليه من حقوق ونفقات شرعية، وبين المؤمن الذي يتمثل بأوامر الله تعالى فينفق في سبيله طمعاً في الأجر والثواب، فالمتصدق الذي يبذل وينفق يكون فعله دليلاً على إيمانه واتصافه بهذا الخلق الكريم وهو التصدق.


الصبر ضياء

قد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصبر بأنه ضياء، لأن الضياء في حقيقته هو النور الذي يصاحبه حرارة واحتراق، ولذلك قد وصف الله تعالى في كتابه الشمس بأنها ضياء لأنها مشتملة على النور والحرارة، وكذلك الصبر فهو عبادة فيها مشقة وألم، ويحتاج إلى تحمل وكظم للحزن، فالصبر ضياء لصاحبه يستنير به في طريقه من أحداث الزمان ومشقاته، فلا يعترض على قضاء الله تعالى.


القرآن حجة

فالذي يعمل بالقرآن الكريم ويتلوه ويتدبره، ويصدق أخباره، ويمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، ويقف على حدوده، يفوز يوم القيامة ويسعد ويكون القرآن حجة له، ومن هجره وأهمله وأعرض عنه ولم يعمل بأحكامه فهو خاسر يوم القيامة ويكون القرآن حجة عليه.


كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها

حيث إن الإنسان هو الذي يحدد مصيره بحسب عمله، فمن استقام على أمر الله تعالى وطاعته وباع نفسه لله، فقد أفلح وأعتق نفسه من الوقوع في وساوس الشيطان، وفاز بالجنة، ومن باع نفسه للشيطان واستسلم لوساوسه ولشهوات الدنيا فقد خسر، وكل ذلك موصل إلى عذابه ودخوله النار.



المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبوموسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:223، صحيح.
  2. "حديث : الطهور شطر الإيمان"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021. بتصرّف.
  3. أحمد الحطيبة، شرح الترغيب والترهيب للمنذري، صفحة 2-7. بتصرّف.
  4. عبد المحسن العباد، شرح الأربعين النووية، صفحة 3-9. بتصرّف.