وردت هذه العبارة في الحديث النبوي الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو: (جاءَ ناسٌ مِن أصْحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلُوهُ: إنَّا نَجِدُ في أنْفُسِنا ما يَتَعاظَمُ أحَدُنا أنْ يَتَكَلَّمَ به، قالَ: وقدْ وجَدْتُمُوهُ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ)،[١] ورواه كل من البيهقي في شعب الإيمان، والنسائي في السنن الكبرى، بلفظ آخر.[٢]
شرح ذلك صريح الإيمان
شرح المفردات
فيما يأتي بيان ألفاظ الحديث:[٣]
- ما يتعاظم: ما نشعر بأنه عظيم وخطير.
- صريح الإيمان: الإيمان الخالص.
معنى الحديث
- إن الشيطان يتربص بالمؤمن دائماً ويكيد له كلما حانت الفرصة، ويحاول أن يفتنه عن دينه بتشكيكه فيه، وإيراد شبهات الكفر عليه، وهذا ما حصل مع مجموعة من الصحابة -رضي الله عنهم-، حيث أقلقتهم تلك الوساوس وخافوا منها كثيراً، وظنوا أن إيمانهم قد اختل، فذهبوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبرونه بما حدث معهم، ويسألونه عما يجب عليهم فعله، فأخبروه بأن نفوسهم تحدثهم بكلام عظيم، لا يحبون إخراجه، ولايستطيعون التكلم به، فماذا يفعلون، فطمأنهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأجابهم بأن قلوبهم مليئة بالإيمان الخالص لأنهم استعظموا ما دخل إليها من وساوس الشيطان، ولم تقبل نفوسهم بها.[٤]
- وبذلك علمهم كيفية التخلّص من وساوس الشيطان وكيده الضعيف أمام قوة إيمانهم، قال -صلى الله عليه وسلم- عن كيد الشيطان: (الحمدُ للهِ الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسةِ)،[٥] وقد أمر الله -تعالى- عباده المؤمنين بأن يستعيذوا به من الشيطان الرجيم إذا وسوس لهم وحاول فتنتهم، قال -تعالى-: {وِإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِن الشَّيطَانِ نَزَغٌ فاستَعِذ بِالله مِن الشَّيطانِ الرَّجِيم}،[٦] وجاء في الحديث: (لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءَلُونَ حتَّى يُقالَ: هذا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فمَن خَلَقَ اللَّهَ؟ فمَن وجَدَ مِن ذلكَ شيئًا، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ. وفي رواية: يَأْتي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ السَّماءَ؟ مَن خَلَقَ الأرْضَ؟ فيَقولُ: اللَّهُ..، ثُمَّ ذَكَرَ بمِثْلِهِ وزادَ: ورُسُلِهِ).[٧][٤]
فوائد الحديث
يشتمل هذا الحديث على العديد من الفوائد والإرشادات، منها:[٨][٩]
- أهمية الإيمان ودوره الكبير في رد الشبهات والتخلّص من وساوس الشيطان، قال -تعالى-: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}.[١٠]
- النفور من الوساوس وكراهيتها والخوف منها دليل على صحة الإيمان، جاء في الحديث: (سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الوَسْوَسَةِ، قالَ: تِلكَ مَحْضُ الإيمانِ).[١١]
- ضعف الإيمان سبب لسيطرة الوساوس على الإنسان ووقوعه في الشبهات، قال -تعالى-: {فَأَمّا الذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتَغَاءَ الفِتنَةِ وابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ}.[١٢]
- وجوب الحذر من وساوس الشيطان وعدم الانجرار وراء خطواته، قال -تعالى-: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.[١٣]
- عدم الاسترسال في الأفكار الشيطانية، وعدم المبالغة في الأسئلة، وعدم جواز السؤال عما لا ينبغي، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فاجْتَنِبُوهُ، وما أمَرْتُكُمْ به فافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ، كَثْرَةُ مَسائِلِهِمْ، واخْتِلافُهُمْ علَى أنْبِيائِهِمْ. وفي روايةٍ: عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَرُونِي ما تَرَكْتُكُمْ).[١٤]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:132، حديث صحيح.
- ↑ إسلام ويب (12/10/2017)، "مدى صحة حديث: (ذاك صريح الإيمان) ومعناه"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2021. بتصرّف.
- ↑ إسلام ويب (9/4/2009)، "صريح الإيمان"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب الموسوعة الحديثية، "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:5112، حديث صحيح.
- ↑ سورة الأعراف، آية:200
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:134، حديث صحيح.
- ↑ عبد الله الفريح (21/11/2016)، "شرح حديث: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2021. بتصرّف.
- ↑ الجلال السيوطي، شرح السيوطي على مسلم، صفحة 147. بتصرّف.
- ↑ سورة التغابن، آية:11
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:133، حديث صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية:7
- ↑ سورة البقرة، آية:167
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1337، حديث صحيح.