ورد هذا الحديث عند الإمام الألباني في كتابه صحيح الأدب المفرد، حيث يعد كتاب الأدب المفرد من أهم كتب الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ وقد جاء هذا الدعاء في معرض الثناء على الله عز وجل، وذلك حين كان يومُ أُحُدٍ، ورجع المشركون، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: استَوُوا حتى أُثنِيَ على ربي ـ عزّ و جلَّ ـ فاستفتح ذلك بقوله: اللهم لك الحمدُ كلُّه، وذكر من جملة دعائه قوله: (اللهم حبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قلوبِنا ، وكَرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلْنا من الراشدين).[١]


شرح حديث اللهم حبب إلينا الإيمان

شرح مفردات الحديث

فيما يأتي بيان أهم ألفاظ الحديث:[٢][٣]

  • الْفُسُوقَ: هو الخروج عن طاعة الله بكبيرة، فهي في مرتبة عظيمة تلي مرتبة الكفر، مع إمكانية إطلاق لفظ الفسوق على بعض المعاصي دون بعض، ويكون الفسوق بالقول والفعل؛ إلا أنّ لزومه للقول آكد.
  • الْعِصْيَانَ: يراد بلفظ العصيان الصغائر، وذلك لكونه في مرتبة ثالثة تلي مرتبة الكفر والفسوق، وعليه يكون الترتيب من الأعلى إلى الأدنى، فالكفر هو قمة الشرك، والفسوق هو الكبائر، والعصيان هو الصغائر؛ ولكن المعتمد أن العصيان يشمل الكبائر والصغائر وخصه بعضهم بالفعل أكثر، مع مجيئه بالقول.
  • الراشدون: هم الذين أخذوا بطريق الرشد، والرشد هو الصلاح والاستقامة في الدنيا والآخرة.


معنى الحديث

يتضح من الموطن الذي ذكر فيه هذا الدعاء العظيم أنه قيل في مقام ثناء وحمدٍ لله تعالى، ولعل من أفضل المواطن التي يستجلب بها العبد بركات الدعاء بعد حمد الله تعالى والثناء عليه، علاوة على أن هذا الدعاء ألفاظه وافقت لفظ القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)،[٤] حيث امتدح الله ـ سبحانه وتعالى ـ في هذه الآية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعلهم من الراشدين، فهم الذين حُبِّبَ إليهم الإيمان وزُيّن في قلوبهم، وكُرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وبهذا يكون معنى الدعاء: أي اجعل الإيمان محبوباً ومزيّناً في قلوبنا، بحيث يظهر على جوارحنا بالأعمال الصالحة، ومن ثَم اجعل الكفر والفسوق والعصيان أشياء مبغضة إلى نفوسنا وقلوبنا، بحيث لا تستقرّ فيها؛ وذلك بهدف طلب الرشاد والاستقامة.[٥]


ما يرشد إليه الحديث

يرشد هذا الدعاء إلى عدد من المعاني الجليلة التي ينبغي للعبد أن يتفطّن إليها، ألا وهي:[٦]

  • أن العبد المؤمن يعيش تحت ظلال الحبّ الإيماني الذي في النفس، حيث يسعد باللذة الإيمانية، بل ويستشعر حلاوتها كما يتذوق الإنسان الشيء الذي يحبه؛ ومن ثم يعيش في جنّة داخلية.
  • أن مظاهر الكفر والفسوق والعصيان تتحول إلى أشباح مرعبة، ومناظر مفزعة، يفرُّ منها المؤمن، فلا مكان لتلك المعاني في قلب من تشبعت روحه بحلاوة الإيمان، وتزينت به.
  • يرسم هذا الحديث معالم خطى الإنسان في طريق سيره إلى الله تعالى، فحين يحاول الوصول إلى طريق النجاة والفوز تأتي هناك العوائق والمبعدات والمنغصات تحاول ردعه وصدّه عن طريق الخير، فيصبح هناك التجاذب والصراع بين تقرّب النفس إلى الإيمان ونفرتها من الكفر والفسوق والعصيان.
  • أن من استقامت حاله، واستطاع أن يتمثل معنى هذا الدعاء، استحق أن يدخل تحت وصف الرشاد، وهو غاية ما يصبو إليه الإنسان المؤمن.[٦]


المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن رفاعة بن رافع، الصفحة أو الرقم:538، صحيح.
  2. عطية سالم، تفسير سورة الحجرات، صفحة 5. بتصرّف.
  3. "الفرق بين الفسوق والعصيان"، إسلام سؤال وجواب، 6/4/2010، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021. بتصرّف.
  4. سورة الحديث، آية:7
  5. ماهر مقدم، شرح الدعاء من الكتاب والسنة، صفحة 501-502. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "حتى أُثني على ربي"، الألوكة، 27/6/2009، اطّلع عليه بتاريخ 4/12/2021. بتصرّف.