لا شك أن الدين الذي أنزله رب العالمين دين متكامل يشتمل على مراتب ودرجات وأركان، ولا شك أن تلك المراتب تختلف وتتفاوت باختلاف حال السالكين؛ مِن سابقٍ بالخيرات وصولاً إلى الظالم لنفسه، كما أخبر تعالى عن تلك الدرجات في قوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)،[١] وبما أن الأشخاص متفاوتون بين هذه الدرجات ينبغي علينا أن نوضح الفرق بين مرتبتين عظيمتين من مراتب الدين، حتى يتسنى لنا أن نبذل قصارى الجهد في نيل أعلى المراتب والدرجات، ألا وهما مرتبتا الإسلام والإيمان، ومن هنا يأتي السؤال عن الفرق بين الإسلام والإيمان.


ما هو الفرق بين الإسلام والإيمان؟

الفرق بينهما من حيث التعريف

  • تعريف الإسلام: الإسلام في اللغة هو الانقياد والخضوع والاستسلام والامتثال لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض[٢]، وفي الاصطلاح هو الانقياد الظاهر لجميع أوامر الله أصولاً وفروعاً،[٣] ولعلنا نلحظ أن كِلا المعنيين اللغوي والاصطلاحي ينصّان على معنى الالتزام والطاعة المطلقة التي لا يلحقها تقاعس ولا توانٍ، وعليه فإن الانقياد والطاعة ظاهرة في الجوارح مصدرها القلب.
  • تعرف الإيمان: الإيمان في اللغة: هو مطلق التصديق والإقرار، وفي الاصطلاح هو التصديق الجازم والاعتراف التام، بوجود الله تعالى، وبألوهيته وبربوبته، وبأسمائه وصفاته، والإقرار الكامل باستحقاقه العبادة وحده دون سواه، والإقرار برسله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وكل ما يتعلق بهم، مع اطمئنان القلب لذلك وخضوعه،[٤] ولا شك أن الارتباط بين كلا المعنيين اللغوي والاصطلاحي ظاهر وبيّن، حيث إن مدار الأمر على استقرار تلك المعاني الربانية في القلب، ومن ثمّ انسجام تلك الجوارح طواعية مع ما وقر في القلب من إيمان وتصديق.


الفرق بينهما من حيث العموم والخصوص

ذهب أهل العلم إلى القول بعموم الإسلام وخصوص الإيمان، إذ إنه لا يمكن أن يوجد عمل ظاهر من غير تصديق قلبي، وإلا لشابه الإسلام النفاق، فالإسلام أعم من الإيمان، وهو يتضمنه أيضاً، حيث لا يوصف بالإيمان من ثبت له وصف الإسلام فقط، إلا بدليل، فالمؤمن أعلى درجة من المسلم وأخصّ منه، وقالوا أيضاً بالتلازم بين الإسلام والإيمان، فكلا منهما يقتضي الآخر، وأنهما من الأسماء المشتركة؛ التي إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا؛ ومقصود ذلك كله كما يلي:[٥][٦]

  • إذا اجتمع الإسلام والإيمان، وذكرا مع بعضهما في نفس الموضع؛ فُسِّر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة، استدلالاً بما ورد في الحديث عندما سأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام، ونص الحديث: (يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَعَجِبْنا له يَسْأَلُهُ، ويُصَدِّقُهُ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ)،[٧] ففسّر له النبي الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة.
  • إذا افترق الإيمان والإسلام، حيث أطلق أحدهما وذُكر منفرداً؛ يدخل فيه الآخر ويشمله، ويكون المقصود به الأمور الظاهرة والباطنة معاً، أي يمثّل الدين بأكمله، فإذا ذكر الإيمان وحده؛ فإنه يشمل الإسلام، وفُسّر بالأعمال الظاهرة والباطنة، وكذا إذا ذكر الإسلام وحده، استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ..)،[٨] حيث أدخل النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام بشعب الإيمان ودرجاته، وذلك بقوله أن أعلى شُعب الإيمان هي لا إله إلا الله، التي هي أصل الإسلام.


ومما ينبغي الإشارة أن جميع الأعمال الصالحة داخلة في الإسلام والإيمان، الظاهرة منها والباطنة، فإذا جمع العبد بين الأعمال كلها، صار مسلماً مؤمناً، وإن التداخل بين مراتب الدين ومعرفة علو الدرجات فيه تدفع المسلم للمسارعة إلى طرق باب الله سبحانه وتعالى، بغية الوصول إلى نيل رضا الله تعالى، ومن ثم الفوز بجنته.


المراجع

  1. سورة فاطر، آية:32
  2. "معنى كلمة الإسلام"، إسلام سؤال وجواب، 5/1/2020، اطّلع عليه بتاريخ 16/11/2021.
  3. مصطفى مسلم (4/2/2013)، "الإسلام والإيمان والإحسان"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16/11/2021.
  4. "تعريف الإيمان اصطلاحا"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 16/11/2021.
  5. ابن باز (16/11/2021)، "الفرق بين الإيمان والإسلام"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 16/11/2021. بتصرّف.
  6. يوسف الغفيص، كتاب شرح الطحاوية، صفحة 7. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:8، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:35، صحيح.