تعريف الرضا بالقضاء والقدر
الرضا بقضاء الله -تعالى- وقدره هو تسليم العبد وسكون قلبه للقضاء الذي قضاه الله -سبحانه- وقدّره عليه، مع يقينه بأنّ الله -تعالى- هو الحكيم العليم، العدل الرحيم، فيصبر المرء على المصائب والابتلاءات، ويصبر على طاعة الله -سبحانه- بأداء ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، ويطمئنّ إلى حُكم الله -تعالى- في كلِّ ما قدّره على عباده.[١]
حكم الرضا بالقضاء والقدر
قد يُطلق مصطلح الرضا بالقضاء والقدر ويُراد به التصديق والإيمان بقضاء الله وقدره، وهذا واجبٌ على كلّ مسلم، بل هو من الأركان التي لا يصح إيمان العبد إلا بها، وقد يُطلق هذا المصطلح ويُراد به الصبر والرضا على ما قضاه الله -تعالى- من المصائب والابتلاءات والقيام بالواجبات واجتناب المنهيّات.[٢]
والصبر في هذه الأحوال واجبٌ على العبد، ولا يجوز له أن يسخط على قضاء الله -تعالى- وقدره، أمّا الرّضا فهو أمرٌ زائدٌ على الإيمان بالقضاء والقدر وعلى الصبر عليهما، وسيأتي في المبحث التالي بيان الفرق بين الصبر والرضا وحكم كلٍّ منهما بتفصيلٍ أكثر.[٢]
الفرق بين الرضا بالقضاء والقدر والصبر عليه
للمؤمن درجتان في القضاء والقدر في الابتلاءات والمصائب وغيرها، وهما: الرضا والصبر، وتوضيح ذلك فيما يأتي:[٣]
- الصبر
هو حبس النّفس وكفّها عن السخط والتذمّر مع وجود الألم وتمنّي زواله، وهو حبس الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، وحكمه الوجوب.
- الرضا
هو درجةٌ رفيعةٌ زائدةٌ على الصبر، وهو انشراح الصدر بقضاء الله -تعالى- وقدره، وعدم تمنّي زوال المؤلم إنْ وُجِد، فروح اليقين والمعرفة تُباشر قلب المؤمن وتُخفّف عنه آلامه، بل وقد يزول الإحساس بالألم كاملاً في الرضا، ولذلك فهو مُستحبٌّ ومندوب، بخلاف الصبر فهو واجب.
ما يُعين على الرضا بالقضاء والقدر
هناك العديد من الأمور التي يُعين استحضارها على الرضا بالقضاء والقدر، ومن أهمّها ما يأتي:[٤]
- تحقيق الإيمان بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).[٥]
- استحضار أنّ الله -سبحانه- يبتلي مَن يُحبّ، وأنّ الصبر والرضا ثوابهما عظيمٌ لا يعلم بمقداره إلا الله -سبحانه-، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (عِظَمُ الجزاءِ معَ عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللَّهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاَهم، فمن رضيَ فلَهُ الرِّضا، ومن سخِطَ فلَهُ السُّخط).[٦]
- اليقين برحمة الله -تعالى- وحكمته، فعطاؤه عطاء، ومنعه عطاء، ولِذا قال أحد الصالحين: "إنَّ منْعَ الله عبدَه من بعض محبوباته هو عطاءٌ منه له؛ لأن الله تعالى لم يمنعه منها بخلًا؛ وإنما منعه لطفًا".
- تذكّر حقيقة الدنيا الفانية، فهي دار بلاءٍ واختبار، ولا راحة مطلقة إلا في الجنة.[٧]
ما يُنافي الرضا بالقضاء والقدر
إنّ ممَا يُنافي الرضا بقضاء الله -تعالى- وقدره ما يأتي:[٨]
- السخط على ما قدّره الله -سبحانه-، والاعتراض عليه.
- القنوط من رحمة الله وترك التوكّل عليه.
- اللّطم والنياحة وشقّ الجيوب.
- الهلج والجزع والإكثار من الشكوى لغير الله.
- تمنّي الموت بسبب ما نزل من البلاء.
- عدم الرضا بما قسمه الله -تعالى- من الرزق.
ثمرات الرضا بالقضاء والقدر
من ثمرات الرضا بقضاء الله -تعالى- وقدره ما يأتي:[٩]
- الهداية والبصيرة وزيادة الإيمان، وبالتالي الحرص على التقرّب من الله -سبحانه-، والإكثار من العمل الصالح، واجتناب الذنوب والمعاصي.
- تحقيق التوحيد، واجتناب الشرك بالله، وعدم تعلّق القلب إلا بالله، لأنّ الرضا يجعل صاحبه متوكِّلاً على الله -سبحانه- مخلصاً له مفوِّضاً كلّ أموره إليه.
- الثبات عند المحن، والصبر على المشاقّ، والطمأنينة باختيارات الله، لأنّ المؤمن الراضي يوقن أنّ الله -تعالى- لا يُقدِّر عليه إلا الخير.
- شكر الله -تعالى- على نِعمه، وفهم حقيقة الدنيا والقدرة على التعامل مع مجريات الحياة فيها.
المراجع
- ↑ عبد الله بن سليمان الغفيلي، ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف، صفحة 620. بتصرّف.
- ^ أ ب ناصر العقل، شرح العقيدة الطحاوية، صفحة 11، جزء 82. بتصرّف.
- ↑ خالد الحسينان، دروس تربوية من الأحاديث النبوية، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ "الرضا بالقدر أجمل اختيار في الحياة"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 27/8/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم:2999، صحيح.
- ↑ رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3272، حسنه الألباني.
- ↑ "مما يعين على الرضا بالقدر أن يعلم العبد أن الدنيا دار ابتلاء واختبار"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 27/8/2023. بتصرّف.
- ↑ خالد الحسينان، دروس تربوية من الأحاديث النبوية، صفحة 10. بتصرّف.
- ↑ "الثمار العقديّة للإيمان بالقضاء والقدر"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 27/8/2023. بتصرّف.