لم يترك الأنبياء -عليهم السلام- بعد موتهم أموالاً كثيرة، أو كنوزاً وفيرة، لأنهم لم يُبعثوا من أجل جمع المال، وإنما تركوا العلم الذي به يسعد الإنسان في الدنيا والآخرة، ويخرج به من الظلمات إلى النور، فميراث الأنبياء هو العلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درْهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ)،[١][٢] وحتى لو ترك الأنبياء خلفهم شيئاً من المال، فإنه لا يورث وإنما يُتصدّق به؛ لأن الأنبياء لا يورَثون، جاء في الحديث: (إنا معاشرَ الأنبياءِ لا نُورثُ، ما تركناه صدقةً)،[٣] ولم يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته إلا بغلته البيضاء وسلاحه وقطعة أرض كان قد جعلها صدقة لعابري السبيل، جاء في الحديث: (ما تَرَكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمًا ولَا دِينَارًا ولَا عَبْدًا ولَا أمَةً ولَا شيئًا، إلَّا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ، وسِلَاحَهُ وأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً).[٤][٥]


منزلة العِلم في الإسلام

  • لقد حث الإسلام على طلب العلم وتحصيله، وشجع على بذل الجهد في سبيل ذلك، واتفق الفقهاء على عظم منزلة العلم وفضله، وأن العالم خير من العابد، وأن الانشغال بطلب العلم خير من الانشغال بنوافل العبادات والطاعات كالصلاة والصيام والذكر وغيرها، واستدلوا على ذلك بالكثير من الأدلة الواردة في القرآن والسنة، فقد ذكر الله -تعالى- في كتابه أن هناك فرقاً كبيراً بين منزلة العالم ومنزلة الجاهل، وأنهما لا يستويان أبداً، قال -تعالى-: {قُل هَل يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}،[٦] وبيَّن -سبحانه وتعالى- أنه يرفع المؤمنين وأهل العلم ويجعلهم في أعلى الدرجات وأرفعها، قال -تعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}،[٧] كما بيَّن -تعالى- بأن أكثر الناس خشية له، وخوفاً منه، ومعرفة به، هم العلماء، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.[٨][٩]
  • وقد شجَّع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على طلب العلم وبيَّن منزلة طلاب العلم وأهله وفَضْلَهُم على غيرهم، فقال: (من سلَكَ طريقًا يبتغي فيهِ علمًا سلَكَ اللَّهُ بِهِ طريقًا إلى الجنَّةِ وإنَّ الملائِكةَ لتضعُ أجنحتَها رضاءً لطالبِ العلمِ وإنَّ العالمَ ليستغفرُ لَهُ من في السَّمواتِ ومن في الأرضِ حتَّى الحيتانُ في الماءِ وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ)،[١] حيث أن فضلهم على الناس كفضل القمر على بقية الكواكب، فهو مصدر النور والهداية لهم جميعاً، وكذلك العلماء هم سببٌ لهداية الناس ودلالتهم على الخير والحق، لذلك فإن جميع المخلوقات في السماء والأرض تدعو لهم بالمغفرة، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ).[١٠][١١]


تفضيل العِلم على المال

ذكر ابن القيم -رحمه الله- عدداً من الأسباب التي بيّن فيها فضل العلم على المال، منها:[١٢]

  • أن المال هو ميراث الأغنياء والملوك، أما العلم فهو ميراث العلماء.
  • أن صاحب المال يحرس ماله، أما العلم فهو الذي يحرس صاحبه.
  • أن المال يفنى بالإنفاق، أما العلم فلا يفنى بل يزداد بنشره بين الناس.
  • أن المال لا ينفع صاحبه بعد الموت، أما العلم فهو ينفعه حتى في قبره.
  • أن المال ليس بحاكم على العلم، أما العلم فهو يحكم على المال.


المراجع

  1. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم:2682، صحيح.
  2. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 8. بتصرّف.
  3. رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن أبو بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:314، إسناده على شرط مسلم.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمرو بن الحارث ، الصفحة أو الرقم:2739 ، حديث صحيح.
  5. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 54. بتصرّف.
  6. سورة الزمر، آية:9
  7. سورة المجادلة، آية:11
  8. سورة فاطر، آية:28
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 152-153. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم:1037، حديث صحيح.
  11. بدر الدين ابن جماعة، تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، صفحة 6-8. بتصرّف.
  12. ابن القيم، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، صفحة 364-365. بتصرّف.