حكم الصيام بدون نية

النيّة هي عزم القلب على فعل الطاعة بقصد التقرب إلى الله -سبحانه-،[١]ولا تُجزئ عبادة الصّيام بدون نيَّةٍ بالاتّفاق؛ سواءً كان صيام فرضٍ أم نَفْل،[٢] مع الإشارة إلى وجود فرقٍ بين حكم تبييت نيّة الصيام -والذي سيأتي بيان حكمه لاحقاً- وبين الصيام بدون عقد النيّة لوجه الله -تعالى-، فكلّ عبادةٍ لله -تعالى- لا بدّ لها من نيّة.


ولا أدلّ على ذلك من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)،[٣] والنيّة في الطاعات مهمَّةٌ؛ لأنّها تُفرِّق وتُميِّز بين العادة والعبادة، فكان لا بدّ لكلّ طاعةٍ من قصد المعبود بها حتى تصحّ، سواءً كانت قوليةً أو عمليةً أو اعتقاديةً.[٤]


وقد لخّص ابن تيمية -رحمه الله- وأوجز في ذلك كلاماً مهمَّاً، فقال عن نية قصد المعبود: "... والذي يجب أن يكون العمل له هو الله -سبحانه- وحده لا شريك له، فإنَّ هذه النية فرضٌ في جميع العبادات، بل هذه النية أصلُ جميع الأعمال، ومنزلتها منها منزلة القلب من البدن، ولا بدَّ في جميع العبادات أن تكون خالصةً لله سبحانه".[٥]


وبالمثال يتّضح المقال، فلو غسل المسلم أعضاء الوضوء بقصد التبرّد أو التنظّف فقط لم يُجزئه ذلك عن الوضوء، لأنّ الوضوء عبادةٌ لا بدّ لها من نيَّةٍ تُميّزها عن غيرها من المقاصد؛ كالنظافة والتّبرّد، فقد جاء في مغني المحتاج: "... إِِنْ فَقَدَ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ، كَأَنْ نَوَى التَّبَرُّدَ أَوْ نَحْوَهُ، وَقَدْ غَفَل عَنْهَا -أي عن نيّة الوضوء بقصد التقرّب إلى الله-، لَمْ يَصِحَّ غَسْل مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَنَحْوِهِ، وَيَلْزَمُهُ إِعَادَتُهُ".[٦]


حكم عدم تبييت نية الصيام

حكم عدم تبييت نية صيام التطوع

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم عدم تبييت نيّة صيام التطوّع من الليل، وتوضيح أقوالهم فيما يأتي:

  • قول جمهور الفقهاء

ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى جواز صيام التطوّع دون تبييت النيّة من الليل، فيصحّ إنشاء النيّة في النهار لصيام النّفل، استناداً لِما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- عندما قالت: (قالَ لي رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ذَاتَ يَومٍ: يا عَائِشَةُ، هلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِنْدَنَا شيءٌ، قالَ: فإنِّي صَائِمٌ).[٧]


واشترط الحنفيّة أن لا يتجاوز وقت إنشاء النية إلى ما بعد الضحوة الكبرى، أمّا الشافعية فقالوا: ينتهي وقت إنشاء نية صيام التطوع بالزّوال -وهو ميل الشمس عن منتصف السماء إلى الغرب[٨]-، ويرى الحنابلة جواز إنشاء نية صيام التطوّع بعد الزوال.


  • قول المالكية

ذهب المالكية إلى وجوب تبييت نية صيام التطوع قبل الفجر، فلا فرق في ذلك بين الصيام الواجب وصيام التطوع، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يبيِّتِ الصِّيامَ منَ اللَّيلِ فلا صيامَ لَه)،[٩] فالحديث عام يشمل صيام الفرض والتطوع.


حكم عدم تبييت صيام الفرض

ذهب الفقهاء الأربعة إلى وجوب تبييت نيّة صيام الفرض من الليل أو قبل الفجر،[١٠] ولكن هل يجب تبييتها في رمضان أو في الصيام المتتابع كلّ ليلة؟ ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى وجوب تبييت نية صيام الفرض باعتبار أنّ كلّ يومٍ من أيام الشهر الكريم عبادةٌ مستقلةٌ لا ترتبط مع اليوم التالي، أمّا المالكية فيرون أنّ نيَّةً واحدةً في بداية الشهر عن رمضان كلّه تكفي.[١١]

المراجع

  1. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 190، جزء 1. بتصرّف.
  2. موافقي الأمين، الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف، صفحة 149. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، صحيح.
  4. محمد باجسير، القواعد في توحيد العبادة، صفحة 387، جزء 1. بتصرّف.
  5. شرح عمدة الفقه، شرح عمدة الفقه، صفحة 589، جزء 2.
  6. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 23، جزء 12.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1154، صحيح.
  8. "تعريف ومعنى زوال الشمس في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 26/3/2023. بتصرّف.
  9. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن حفصة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2333، صححه الألباني.
  10. محمود عويضة، الجامع لأحكام الصيام، صفحة 23. بتصرّف.
  11. كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 99، جزء 2. بتصرّف.