خلق الله تعالى البشر بطبيعتهم ضعفاء، وإن كانَ سبحانه وتعالى ميّزهم بالعقل إلّا أنّهم ليسوا قادرينَ بعقلِهم البشريّ ذاك على معرفةِ الحقّ من الباطِل، ولا يتمكنّون من عبادةِ ربّهم على النّحو الذي يرتضِيه ويحبّه؛ ولا يستطيعونَ تنظيم أنفسِهم وحَيواتِهم دونَ تشريعٍ ونظام حاكمٍ يٌنظّم وينسّق لهم كلّ شيءٍ في الكونِ، فهو سبحانه لم يُرسل الرّسل لدعوة النّاس لعبادتِه فحسب؛ إذ هو في غنىً عنهم، فهو القادر على جعلِهم يعبدونَه كلّهم جمعاً، لكن كانَ لا بُدّ من توجيه البشرِ وإرشادهم إلى توحيد ربّهم، وعدم الإشراك به؛ الذي من أجلِه أرسلِت الرّسل، وأنزِلت الرسالات، وكان سبباً في نزاعات الرّسل والأنبياء مع أقوامِهم وأُممهم، فهو أساسُ دعوة الأنبياء والرّسل، وأولُ منازل الطّريق، وأهمّ واجبٍ على كلّ مكلّف إلى يومِ مماتِه، فمن أجلِه خلقَ الله سبحانه وتعالى خلقَه، وما ذلِك إلا لإصلاح الخلقِ وتبصيرِهم في أمور حياتِهم،[١][٢] وفيما يأتي بيان أهم الأسباب التي من أجلها أرسل الله تعالى رسله.


لماذا أرسلَ الله الرّسل؟

تعدّدت أسبابُ إرسالِ الله عزّ وجلّ للرّسل؛ وهي كما يلي:[٣][٤]


تبليغ الدين ودعوة الناس إلى الله

فقد أوكل الله تعالى للرسل مهمة إبلاغ الدين بأكمله إلى الناس، وإيصاله من غير تحريف ولا تبديل، وبيان الأوامر والنواهي، ودعوتهم إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، وعدم الشرك به، وتعريفهم حقيقة العبادة، وأمرهم بفعل ما يحبه تعالى ويرضاه، وترك واجتناب ما يكرهه ويأباه، وحثّهم على طاعته وعدم معصيته، حيث قال تعالى: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ).[٥]


إقامةُ الحجّة على النّاس

قطعَ الله سبحانه وتعالى الحجّة على النّاس بإرسال الرّسل وإنزال معهم الآيات البيّنات، التي تدلّ على صدقهم وصحة نبوتهم، حتّى لا يقومَ أحدٌ من الخلقِ بالاحتجاجِ يومَ القيامة بعدم وصولِ دعوةِ التّوحيد إليه؛ فهو من أعظم وأهمّ أسباب إرسال الرّسل؛ إذ ذكر الله عزّ وجلّ هذه الغاية العظيمة في كتابِه الكريم فقال: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).[٦]


إرشادُ النّاس بما فيه خيرٌ وصلاحٌ في دينهم ودُنياهم

إنّ البشرَ مهما أوتوا من القدرات والطّاقات والإبدعات؛ فإنّهم عاجزون عن إقامةِ حياتِهم بالخير، وتنظيمها؛ بحيث يكونوا متماسكين متعاونين متساوين، فكان من الواجب إرسال الرّسل لإرشادهم وتعريفهم بما هو خيرٌ وبما هو شرّ بأمرٍ من الله وتأييد؛ وإخراجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وتزكية نفوسهم وإصلاحها، وتطهيرها من الشرور، وتعليمهم أمورهم دينهم، وبيان الطرق التي توصل إلى الله تعالى، فالرّسل مؤيّدون من ربّهم يدفعون عن النّاس ما يضرهم وينصحوهم بما ينفعُهم.


اجتماعُ الأمّة على دين واحد

فإن جمع الناس على دين واحد، وانقيادهم إلى رجل واحد، مؤيّداً بالآيات والمعجزات، واجتماعهم على عقيدة ثابتة واضحة، وإيمان ثابت؛ تجعل المجتمع أكثر تماسكاً وقوة وتعاوناً، وهذا بدوره يؤدي إلى صلاحهم وصلاح المجتمع بأكمله.


حاجة الناس للرسل

فالخلق جميعاً بحاجة إلى الأسوة الحسنة، لاتخاذه وسيرته وحياته قدوة له في عباداته ومعاملاته وأخلاقه، وفي سائر مجالات حياته، وذلك من أجل الاستقامة على أمر الله، وقد فضّل الله تعالى الرسل على سائر البشر، وكمّلهم بالأخلاق والصفات الحسنة، وعصمهم من الشهوات والشبهات، حيث جعلهم ممن يصلح الاقتداء بهم، والبشر كذلك بحاجة إلى من يقودهم ويدير أمورهم وينظمها، فأوكل الله تعالى إلى رسله مهمة الحكم بين الناس، والفصل فيما بينهم، والاستخلاف في الأرض


المراجع

  1. "حكمة إرسال الرسل"، طريق الإسلام، 17/4/2014، اطّلع عليه بتاريخ 2/11/2021. بتصرّف.
  2. عمر العيد، شرح لامية ابن تيمية، صفحة 15. بتصرّف.
  3. "حكمة إرسال الرسل"، طريق الإسلام، 14/7/2014، اطّلع عليه بتاريخ 2/11/2021. بتصرّف.
  4. "لماذا بعث الله الأنبياء وأرسل الرسل؟"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 21/11/2021. بتصرّف.
  5. سورة النحل، آية:36
  6. سورة النساء، آية:165