إنّ قيامَ السّاعة يومٌ عظيمٌ، وإنّ من أوّل أحداثِه هو النّفخ في الصّور؛ وهذا النّفخ يمثّل مرحلةً انتقاليّة مهمّة بين العالم الدّنيويّ والعالم الأخرويّ؛ إذ يعتبرُ المقدّمة لقيامِ القيامةِ، وفيه من الفزعِ والهولِ ما فيهِ، فَتشيبُ الوالدان، وتنسى الأم عن رضيعها وتغفل عنه، لشدة الهول؛ ولهذا فقدِ اهتمّت النّصوص الشرعيّة بهذا الحدث الجَلل أيّما اهتمامٍ؛ وجاء في السّنة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الصّور هو: (قرنٌ يُنْفَخُ فيه)،[١] أيْ أنّ الصّور هو آلةٌ على شكلِ القَرن يُنفَخ فيها، وقد جاءت مهمّة النّفخ فيه موكلةٌ من الله تعالى لملَكٍ من الملائكةِ وهو الملَك إسرَافِيل عليه السّلام، وهو ملَك من الملائِكة الشّداد العِظام، حيث إنه على أتمّ استعدادٍ وتهيّؤ للنفخِ، وكلّما اقتربت الساعة إزداد استعداداً وتهيُّؤاً لذلك.[٢][٣]


عددُ النّفخات في الصّور يومَ القيامة

يأذنُ الملِك الجبارُ سبحانه وتعالى للَملك المُوكّل بالنّفخ في الصّور نفختَين اثنَتين، وفيما يأتي بيان ذلك:[٤][٥]


1- نفخةُ الصّعق

وهذه النفخة الأولى التي يموتُ فيها أهل الأرضِ والسّماء أجمعين، إلا من شاء الله، حيث قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ)،[٦] ثمّ يقبضُ الله سبحانه أرواح الباقيين مِمَّن استثناهم من الصّعق، وتكون آخر روح يقضبها هي روح ملَك الموت عليه السّلام؛ فلا يبقى أحدٌ على وجه الأرضِ حياً إلا الله سبحانه الملِك القهّار، ويبقى المُلك له وحدَه، ويسأل نفسه تبارك وعلا ثلاث مرات، ويجيب، قائلاً سبحانه: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)،[٧]


2- نفخةُ البعثِ

وهذه النّفخة الثّانية التي يُحيي الله تعالى فيها جميع الخلق، فأوّل من يُحيي الملَك إسرافيل نافخُ الصّور؛ لينفُخَ في القَرن النّفخة الثّانية؛ فقال تعالى: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)،[٨] أيْ يقومون أحياءً بعد أن صاروا رُفاتاً وعظاماً، ينظرون حولَهم لأهوال يوم القيامة، ويقومون جميعاً إلى أرضِ المحشر المنسبطة التي لا نتوءاتٍ فيها ولا ارتفاعاتٍ ولا انخفاضاتٍ، مستوية من كافّة الجهات؛ لم يُرقْ فيها الدّم ولم تُرتكب عليها الخطايا والذّنوب، التي وصفها الله تعالى بالسّاهرة، حيث قال في كتابه: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ* فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)،[٩] فيجمع الله تعالى الناس كافة على هذه الأرض، أرض المحشر، ليبدأ الحساب والجزاء.


المدّة الزمنية الفاصِلة بين النّفختَين

إنّ الفترة الزمنية بين النفختين؛ ثبتت في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري، قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما بيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ، قالَ: أرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيَنْبُتُونَ كما يَنْبُتُ البَقْلُ، ليسَ مِنَ الإنْسانِ شَيءٌ إلَّا يَبْلَى، إلَّا عَظْمًا واحِدًا)،[١٠] ولفظ أبيتُ: أي امتنع عن تحديد أيْ أربعين، فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلق لفظ الأربعين دون أن يحدّد.[١١]


المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:4742، صحيح.
  2. "أهوال يوم القيامة، النفخ في الصور"، إسلام ويب، 14/8/2002، اطّلع عليه بتاريخ 19/10/2021. بتصرّف.
  3. سعيد بن مسفر، دروس الشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 1. بتصرّف.
  4. أبو الأشبال حسن الزهيري ، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، صفحة 5. بتصرّف.
  5. أمين عبد الله الشقاوي (29/9/2011)، "النفخ في الصور"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 19/10/2021. بتصرّف.
  6. سورة الزمر، آية:68
  7. سورة غافر، آية:16
  8. سورة الزمر، آية:68
  9. سورة النازعات، آية:13-14
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:4935، صحيح.
  11. "أهوال القيامة ، النفخ في الصور"، إسلام ويب، 14/8/2002، اطّلع عليه بتاريخ 19/10/2021. بتصرّف.