هذا الحديث ذكره الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين، في باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس، وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات، مروياً عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي -رضي الله عنه- قال: (ذكَرَ أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا عندَه الدُّنيا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ألَا تسمَعونَ، ألَا تسمَعونَ، إنَّ البَذاذةَ من الإيمانِ، إنَّ البَذاذةَ من الإيمانِ. يعني: التقَحُّلَ).[١][٢]


شرح حديث البذاذة من الإيمان

شرح المفردات

فيما يأتي بيان بعض ألفاظ الحديث:[٣]

  • البذاذة: عكس الترفّه والمبالغة فيه، وهي الرثاثة والتواضع في اللباس والمظهر.
  • من الإيمان: جزء من الإيمان، ومن شُعَبه.
  • التقحّل: نفس معنى البذاذة، وهذه الكلمة ليست من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث، بل هي زيادة من الراوي لشرح معنى البذاذة، وقال أهل اللغة: الرجل المتقحل: هو الرجل الذي يبس جلده من قلة الأكل.[٢]


معنى الحديث

  • كان الصحابة -رضي الله عنهم- في يوم من الأيام يجلسون عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخذوا يتحدثون في أمور الدنيا كغيرهم من البشر، ويبدو أنهم ذكروا أمر اللباس الجميل الفاخر، فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سمع كلامهم، أن ينبّههم إلى أمر مهم غاب عن أذهانهم، وأراد أنه يحذرهم من التمادي في ذلك الكلام، فقال لهم: ألا تسمعون، مكرراً إياها؛ للفت انتباههم واستدعاء أذهانهم وقلوبهم، ليعوا ما سيقول، ثم قال: إن البذاذة من الإيمان، وكررها مرتين لتترسخ في عقولهم ويتأكد معناها في نفوسهم.[٤]
  • والبذاذة هي ترك الترفه والتزين المبالغ فيه، وعدم الإسراف في اللباس، بعدم تعمد إظهار التفاخر بلبس الملابس الغالية، وهذا من الإيمان، لأنه من التواضع، والتواضع من الإيمان، والمؤمن يعلم بأن متاع الدنيا زائل، وأن النعيم الحقيقي هو في الآخرة، ولكي يشعر المؤمن بإخوانه من الفقراء، ولا يؤذي مشاعرهم، ولا يفتنهم عن دينهم، ويكون قريباً منهم، ومعيناً لهم، وهذا لا يتعارض مع وجوب المحافظة على النظافة والتطهّر والتزين، وأن يكون المؤمن ذا هيئةٍ حسنةٍ مقبولةٍ، كما أمر الله -تعالى- في قوله: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).[٥][٤]


ما يرشد إليه الحديث

يتضمن هذا الحديث عدداً من الإرشادات المهمة التي ينبغي على المسلم الانتباه لها، وهي:[٦]

  • عدم البحث الدائم عن الترف والرفاهية بشكل مبالغ فيه، لأن ذلك ينقص الإيمان، ويصرف عن العبادة، ويدخل الكبر والغرور والسخط إلى قلب المؤمن، قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ).[٧]
  • عدم الإسراف في المباحات من مأكل ومشرب وملبس وغير ذلك، لأن الله -تعالى- لا يحب المسرفين.
  • الرضا بالرزق المقسوم، وعدم النظر إلى ما عند الآخرين من أموال وزينة، لأن ذلك قد يورث عدم الرضا بما قسم الله في نفس المؤمن.
  • التواضع من صفات المؤمنين التي يحبها الله -تعالى- ويثيب عليها، جاء في الحديث: (وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ).[٨]
  • تربية النفس على الشعور بحال الفقراء، ليعلم المؤمن مدى حاجتهم، وليشكر الله على نعمته عليه، وهذا من الحكم التي أمر الله -تعالى- المؤمنين بالصيام لأجلها، فيشعرون بالجوع ليعرفوا حال الجائع الفقير الذي لا يجد ما يسد به جوعه، ولينفقوا مما أعطاهم الله، وليتصدقوا بأموالهم على فقراء المؤمنين.
  • لا تعارض بين الحث على التواضع في اللباس في هذا الحديث وبين استحباب إظهار أثر النعمة على العبد، كما في حديث: (إن الله يُحِبّ أن يرى أثرَ نعمته على عبدهِ)،[٩] واستحباب أن يكون المؤمن حسن الهيئة والمظهر، كما في حديث: (إنَّ اللهَ تعالى جَميلٌ يحبُّ الجمالَ)،[١٠] فإن المقصود هو عدم المبالغة في شراء وارتداء الملابس الغالية التي تلفت الأنظار، وعدم التكبر والتفاخر بذلك إن حصل، وألا يكون هذا الأمر دأب الإنسان وشغله الشاغل، والأفضل للمؤمن هو ارتداء اللباس المتوسط حسب ما هو متعارف عليه في كل زمان ومكان.


المراجع

  1. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن أبي داود، عن أبو أمامة الأنصاري، الصفحة أو الرقم:4161، حديث حسن.
  2. ^ أ ب الإمام النووي، رياض الصالحين، صفحة 176. بتصرّف.
  3. الموسوعة الحديثية، "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 23/10/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب أ.د خالد السبت (19/6/2008)، "حديث «البذاذة من الإيمان..»"، موقع فضيلة الشيخ خالد السبت، اطّلع عليه بتاريخ 23/10/2021. بتصرّف.
  5. سورة الأعراف، آية:31
  6. أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 8. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6435، حديث صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2588، حديث صحيح.
  9. رواه الترمذي، في صحيح الترمذي، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم:2819، حديث حسن.
  10. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن مسعود وأبو أمامة وعبدالله بن عمر وجابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1741، حديث صحيح.