عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أوثقُ عُرى الإيمانِ الحبُّ في اللهِ والبغضُ فيه)،[١] أخرجه الطيالسي، وابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، والروياني، والإمام أحمد في المسند،[٢] وهو حديث ضعيف الإسناد، وقد حَسَّنَهُ بعض العلماء،[٣] وقد ورد في معناه حديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: (مَن أَحَبَّ للهِ، وأَبْغَض للهِ، وأَعْطَى للهِ، ومنع للهِ، فقد استكمل الإيمانَ).[٤]


ألفاظ الحديث

فيما يأتي بيان بعض ألفاظ الحديث:[٢]

  • عرى: جمع عروة، وهي ما يُستمسك به ويُعتصم به من الدين ويكون موصلاً إلى الجنة، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا}،[٥] وفي قوله -تعالى-: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ}.[٦]
  • البغض: عكس الحب وهو الكره.


المعنى العام للحديث

يحتوي هذا الحديث على عدد من المعاني المهمة في الإسلام، منها:[٣][٧]


رضا الله -تعالى- هو معيار المحبة في الإسلام

إن من أقوى ما يستمسك ويعتصم به المسلم من ثوابت الإيمان هو الحب في الله والبغض في الله، ومعنى ذلك أن يكون معيار الحب والبغض قائماً على أساس رضا الله -تعالى-، فالمؤمن يجب أن يحب كل أمر فيه رضا الله -تعالى-، ويبغض كل أمر فيه سخط الله -تعالى-، ومن كان من الناس مؤمناً بالله -تعالى- صالحَ القول والعمل وجبت محبته، كائناً من كان، حتى لو كان غريباً أو بعيداً، فلا تفاضل ولا تمايز بين المؤمنين إلا بالتقوى والعمل الصالح، ومن كان غير مؤمن بالله -تعالى- فلا تجوز محبته ولا طاعته، كائناً من كان، حتى لو كان قريباً أو صديقاً، مع وجوب معاملته معاملة حسنة، كما أمر الله -تعالى- في حق الوالدَين المشركَين، حيث قال: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.[٨]


المؤمنون إخوة متحابون لا كراهية بينهم

إن من أعظم الأمور التي تقوّي بناء المجتمع المسلم هي المحبة الإيمانية، فالمؤمنون ينبغي أن يكونوا متحابين متعاونين، يعينون بعضهم، ويتفقدون أحوال بعضهم البعض، ويتناصحون فيما بينهم، ولا يجوز للمؤمن أن يكره أخاه المؤمن أو أن يعاديه مهما حدث، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكراهية والعداوة والاحتقار بين المؤمنين، فقال: (بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ)،[٩] وينبغي على المؤمن ألا يكون أنانياً وأن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه من الخير والبر والهداية، وما إلى ذلك من أنواع الخيرات الدنيوية والأخروية، وأن يبادر إلى تقديم العون والمساعدة لأخيه المؤمن إذا احتاج إلى ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)،[١٠] وقد مدح الله -تعالى- الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- على محبتهم الإيمانية وإحسانهم لبعضهم البعض وبذلهم وعطائهم وإيثارهم، فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.[١١]


الموالاة والمعاداة قائمة على أساس الإيمان فقط:

لا يجوز للمؤمن أن يوالي إلا المؤمنين، ولا يعادي إلا الكافرين والمنافقين المحاربين لله والرسول، فمن والى الكافرين فهو ليس بمؤمن، قال تعالى-: {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}،[١٢] وقال -تعالى- أيضاً: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}،[١٣] فالإيمان لا يقبل موالاةً ولا محاباةً ولا مودةً للكافرين المحاربين الذين جهروا بعداوتهم لله ورسوله، وآذوا المؤمنين واعتدوا عليهم، وكذلك ينبغي للمؤمن أن يوالي إخوانه من المؤمنين ويتضامن معهم ويشعر بمعاناتهم وآلامهم إذا أصابهم سوء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى).[١٤]


المراجع

  1. رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:105، إسناده ضعيف.
  2. ^ أ ب مختارات من الكتب، "الحديث الشريف"، أرشيف الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 16/10/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب رقم السؤال216483 (18/11/2014)، "الحب في الله من أوثق عرى الإيمان"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 15/10/2021. بتصرّف.
  4. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبو أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:8289، حديث صحيح.
  5. سورة البقرة، آية:256
  6. سورة لقمان، آية:22
  7. طريق الإسلام (20/4/2017)، "أوثق عرى الإيمان"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 16/10/2021. بتصرّف.
  8. سورة لقمان، آية:15
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2564، حديث صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13، حديث صحيح.
  11. سورة الحشر، آية:9
  12. سورة آل عمران، آية:28
  13. سورة المجادلة، آية:22
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:2586 ، حديث صحيح.